للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتدريس وحل المشكلات الدقيقة التي تعرض عليه.

وكان له مع ذلك معرفة ببعض العلوم الأخرى، كعلم الكلام والجدل، وكانت معرفته تلك مرتبطة بنشأته بالكوفة؛ حيث كانت موطنا للنّحل المختلفة، والفرق المتباينة، وإذا كان المجتمع على هذه الشاكلة كثر فيه الجدل والمناظرات حول العقائد.

لذلك انشغل الإمام أبو حنيفة رحمه الله في بداية طلبه للعلم بعلم الكلام حتى برع فيه ونبغ، وبلغ فيه مبلغا يشار إليه بالبنان، وكان به يجادل وعنه يناضل، وكان يرتحل إلى البصرة لمناقشة أصحاب الخصومات.

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "كنت رجلا أعطيت جدلا في الكلام، فمضى دهر فيه أتردد، وبه أخاصم وعنه أناضل، وكان أصحاب الخصومات والجدل أكثرهم بالبصرة، فدخلت البصرة نيفا وعشرين مرة ... " ١.

وقال قبيصة بن عقبة: "كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله في أول أمره يجادل أهل الأهواء، حتى صار رأساً في ذلك، منظوراً إليه، ثم ترك الجدل ورجع إلى الفقه والسنة وصار إماماً٢.

هذه لمحة موجزة عن ثقافته في علم الكلام، حيث كان رأسا فيه، ثم بدا له فتركه، وتحول عنه إلى علم الفقه والسنة. وسوف أعرض منزلته في علمي الفقه والحديث.

أولاـ الفقه:

أراد الله بالإمام خيرا حين ترك علم الكلام والجدل، وأقبل على تعلم


١ مناقب أبي حنيفة للمكي ص٥٤.
٢ عقود الجمان ص١٦١.

<<  <   >  >>