إن الرسول المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته، ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفا, ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف حرف واحد يخالف ذلك لا نصا ولا ظاهرا, ولم يقل أحد منهم قط أن الله ليس في السماء ولا أنه ليس على العرش, ولا أنه بذاته في كل مكان, ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء, ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه, و"لا أنه" متصل ولا منفصل, ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها, بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول: ألا هل بلغت؟ فيقولون نعم, فيرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد, غير مرة وأمثال ذلك كثيرة.
فإن كان الحق فيما يقول هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة من هذه العبارات ونحوها دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصا وإما ظاهرا, فكيف يجوز على الله, ثم على رسوله, ثم على خير الأمة, أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق, ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط, ولا يدلون عليه لا نصا ولا ظاهرا, حتى يجيء أنباط الفرس والروم, وأحبار اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل عاقل أن يعتقدها, لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم, وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصا أو ظاهرا, لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير, بل كان وجود الكتاب