الثلاث المذكورة خالية من ذلك, ولا ريب أن من وقع في بلاء وشدة فأراد أن يستغيث فقال مثلا: وا فلاناه, لم يكن مستغيثا استغاثة صحيحة, ومن أشرف على الغرق فقال: يا رجل أو يا فلان, ولم يقل خذ بيدي أو أنقذني أو أدركني أو أغثني, لم يكن مستغيثا استغاثة صحيحة ولا داعيا دعاء صحيحا تاما, فالذين ذكرت عنهم هذه الروايات لم يقولوا: وا محمداه أعطنا أو أغثنا أو نحو ذلك.
فإذن فليسوا طالبين ولا سائلين ولا مستغيثين، وإنما هم نادبون باكون.
والخلاصة: أن خصوم الدعوة السلفية وخصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه على الخصوص أكثروا من الروايات والحكايات حول ندب التوسل وجواز الاستغاثة، لا نطيل بذكرها إذ يتطلب كتابا أو كتابين، وهذه الأبحاث قتلها العلماء بحثا ومعرفة في مظانها، فلا حاجة إلى الزيادة ولكن لا بأس بأن نعطي للقارئ قاعدة في هذا الباب وهي:
أن كل ما يحتجون به على ندب التوسل وجواز الاستغاثة بغير الله من الأنبياء والصالحين، لا يخلو إما أن تكون آية قرآنية لا تدل على ما ذهبوا إليه، كاحتجاجهم بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} وقوله تعالى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} .
وإما أن يكون حديثا موضوعا أو ضعيفا فلا حجة فيهما، ولا يحتج بهما على مثل هذه المطالب العالية إلا من سفه نفسه وغاب عنه رشده، أو أراد إضلال الناس وصدهم عن الصراط المستقيم وتوحيد الخالق العظيم، أو يكون حديثا صحيحا كحديث الاستسقاء بالعباس، أو حسنا كحديث الأعمى الذي حسنه الترمذي، فلا يدل على مذهبهم كما سبق بيانه.