للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أعان غيره على أمر فقد شفعه فيه. والله تعالى وتر لا يشفعه أحد بوجه من الوجوه.

الوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريدا لنفع رعيته، والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج. فإذا خاطب الملك من ينصحه ويعطفه، أو من يدل عليه بحيث يكون يرجوه ويخافه تحركت أداة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، إما لما يحصل في قلبه من كلام الناصح الواعظ المشير، وإما لما يحصل له من الرغبة والرهبة من كلام المدل عليه. والله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأسباب إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو إذا أجرى١نفع العباد بعضهم على أيدي بعضهم، فجعل هذا يحسن إلى هذا ويدعو له ويشفع فيه ونحو ذلك، فهو الذي خلق ذلك كله، وهو الذي خلق في قلب هذا المحسن والداعي والشافع إرادة الإحسان والدعاء والشفاعة، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يكرهه على خلاف مراده أو يعلمه ما لم يكن يعلمه أو من يرجوه الرب ويخافه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له" ٢ والشفعاء الذين يشفعون عنده لا يشفعون إلا


١ في الأصل وطبعة الرياض" جرى"
٢ أخرجه البخاري١١/١٣٩، ومسلم ٤/٢٠٦٣، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <   >  >>