الاستسقاء المشروع من طلب السقيا والدعاء والصلاة وغيرهما مما ثبت بالأحاديث الصحيحة, ومن يدعي وروده فعليه الإثبات.
إذا تمهد هذا فاعلم أن الاستسقاء والتوسل على الهيئة التي وردت في الصحاح من الاستسقاء لا يمكن إلا بالحي لا بالميت, فالقول بإمكان هذا الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته من أبطل الباطل, وكان القول بأنه لو استسقي بالنبي صلى الله عليه وسلم لربما يفهم منه بعض الناس أو يتوهم أنه لا يجوز الاستسقاء بغيره بديهي البطلان, فإن ما ثبت بفعله صلى الله عليه وسلم هو مشروع لنا لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: آية ٧] وقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: آية ٢١] ما لم يدل دليل على كونه مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم, فلا مجال لهذا التوهم حتى يحتاج إلى دفعه.
والثاني: أن المقصود لو كان دفع التوهم المذكور لكان أولى بأن يتوسل بحي غير النبي صلى الله عليه وسلم في حياته, أو بميت غير النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته, أو بميت غير النبي صلى الله عليه وسلمفي حياته, فإن هذه الصور الثلاث أبعد من أن يبدو فيها الاحتمال الآتي من أنه إنما استسقي بالعباس لأنه حي, والنبي صلى الله عليه وسلم قد مات, وأن الاستسقاء بغير الحي لا يجوز, فلما ترك عمر رضي الله عنه تلك الصور, واختار الصورة التي يتأتي فيها الاحتمال المذكور