أحدها: أنه على التشبيه والتمثيل ودل عليه قوله في الرواية الأخرى: "فكأنما رآني في اليقظة". ثانيها: أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير. ثالثها: أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه. رابعها: أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكنه ذلك؛ وهذا من أبعد المحامل. خامسها: أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه حينئذ ممن لم يره في المنام. سادسها: أنه يراه في الدنيا حقيقة ويخاطبه؛ وفيه ما تقدم من الإشكال...- وهذا الإشكال هو ما حكاه بقوله: ونقل عن جماعة من الصالحين انهم رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة؛ وسألوه عن أشياء ...قلت: وهذا مشكل جدا ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة؛ ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة؛ ويعكر عليه أن جمعا ممن رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف؛ وقد اشتد إنكار القرطبي على من قال: من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة كما تقدم قريبا..- وقول القرطبي الذي نقله الحافظ ابن حجر هو: اختلف في معنى الحديث فقال قوم: هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كمن رآه في اليقظة سواء؛ وهذا قول يدرك فساده بأوائل العقول؛ ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها؛ وأن لا يراها رائيان في آن واحد في مكانين؛ وأن يحيا الآن؛ ويخرج من قبره؛ ويمشي في الأسواق، ويخاطب الناس يخاطبونه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده فلا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر؛ ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره. وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل ... إلخ. انظر الفتح ١٢/٣٨٤؛٣٨٥.