وَلكنْ إذا لَمْ يَحْملِ القلبُ كَفَّهُ ... على حالَةٍ لم يَحْملِ الكَّف ساعدُ
وكقوله:
إذَا الهنْدُ سوَّتْ بينَ سَيفي كَريهةٍ ... فسَيفُكَ في كَفُّ تزيلُ التَّساويا
ومن التي أولها: أجابَ دَمعي وَما الدَّاعي سوَى طلَلِ قوله:
أشْكُو النَّوَى ولهم مِن عَبرَتي عَجبُ ... كذاكَ كانتْ وما أشكو سوى الكِللِ
قال الشيخ: أشكو النوى وأصحابي يعجبون من عبرتي، وليس ينبغي أن يعجبوا لذلك. لأنها كانت على ما شاهدوه الآن والذين أحب قريب ليس بيني وبينهم سوى الكلل جمع كله وهو الستر، فكيف بي إذا اجتمعت الكلل مع البعد.
وقد أرَني الشَّبابُ الرُّوح في بَدنِي ... وقد أرَانيِ المَشيبُ الرُّوحَ في بَدَلي
قال ابن جني: أي في غيري يقول كأن نفسه مفارقته في المشيب.
قال الشيخ رحمه الله: معنى هذا البيت أني كنت في حال شبيبتي على حال فغيرها تقادم الدهر، لأني شبت. وكان شعري حالكاً، وقل ماء وجهي وكان كثيراً وضعفت أعضائي بعد قوة، وكأن جسمي قد بدل، وهذا معنى يتردد في الشعر كثيراً ومنه قول النمر بن تولب:
لَعَمْري لقد أنكَرْتُ نَفْسِي ورَابَني ... مع الشَّيب أبْدَالي التي أتَبدّلُ
فُضُول أرَاها في أديميَ بعدَما ... يكون كِفافُ اللَحمِ أو هو أجَملُ
كأنّض مَحطاً في يَديْ حَارثيةٍ ... صَناعٍ عَلَتْ مني به الجلدَ من عَلُ
وقال الآخر:
وقد زَعَمتْ أنَّي تَغيرّتُ بعدها ... ومَنْ ذَا الذي يا عَزَّ لا يَتَغيرُ
وقال الآخر وهو كثير:
الدَّهرُ لأبِلاَني ومَا أَبلْيتُه ... والدَّهرُ غَيّرني ومَا يَتَغيرُ
والدَّهرُ قَيَّدني بحَبلٍ مُبرمٍ ... فَمشيتُ فيه فكلُّ يَومٍ يَقصُرُ
وقد ذهب قوم إلى أن معنى بيت أبي الطيب أنه كان شابا فلما ذهب الشباب عنه رآه في غيره من الناس والقول الأول أجود.
وقال ابن فورجة: البدل في هذا البيت أحسن ما يحمل عليه أن يعني به ولده لأنه كأنه بدل الإنسان إذ كان يشيب أوان شيخوخته ثم يرثه فيكون كأنه بدله في ماله وبدنه والروح يعني به روح نفسه لا الجنس كما قال الشاعر:
أَبي الَقْلبُ إلاَّ أمَّ عَمْروٍ وحبَّها ... عَجُوزاً وَمن يُحبب عَجوزاً يُفند
يريد قلب نفسه وهذا باب معروف كثير.
والمَدْحُ لاْبنِ أبي الهَيْجاءِ تُنْجِدُهُ ... بالجاهِليةٍ عَيْنُ الغَيَّ والخَطَلِ
قال ابن جني: سألته عن هذا البيت فقال كان بعض الشعراء قد مدح سيف الدولة وذكر أجداده وأسلافه يعني النامي وتنجده تعينه وقد فسره بقوله وبعده.
ليتَ المَدائحَ تَسْتَوفي مَناقِبهُ ... فما كُلْيبُ وأهلُ الأعْصُرِ الأولِ
تُمسي الأمانيُّ صَرْعى دونَ مَبْلَغها ... فما يَقُولُ لشَيء ليتَ ذَلَك لي
قال ابن جني: أي دون أن تبلغ إلى قلب فتستمليه، أو لسانه فتجري عليه.
وقال ابن فورجة: يريد أنه مسلط على الأيام ما لك الرقاب والأموال، فما يتمنى شيئاً لأنه كلما رأى نفيساً كان له أو ما هو خير منه، وكان في قوله هذا نظر إلى قول عنترة:
ألا قَاتلَ اللهُ الطُّلولَ البَواليا ... وقَاتلَ ذِكراكَ السنين الخَواليا
وقِيلَك للشَّيء الذي لا تَنالُه ... إذا مَا حَلا في العَينِ يا ليتَ ذالِيا
ومثل هذا قوله أيضا:
يا مَن يسيرُ وحُكمُ النَّاظِرينَ لَهُ ... فيما يَراهُ وحُكمُ القَلْبِ في الجَذلِ
وتمني الشيء عجز وقصور، والملك لا ينبغي له أن يتمنى.
فالعُرْبُ مِنْهُ معَ الكُدْري طائرةُ ... والرُّومُ طائِرةُ مِنْهُ معَ الحَجَلِ
ومَا الفِرارُ إلى الأجْبالِ مِنْ أسَدٍ ... تَمشي النَّعامُ به مَعْقِلِ الوَعِلِ
قال ابن فورجة: فسر أبو الفتح هذا البيت بكلام طويل ولم يأت بفائدة تخصيصه العرب بالقطا والروم بالحجل، وهذا مما يسأل عنه، وإنما فعل ذلك لأن القطا يكون في بلاد العرب، يقول: العرب والروم لا تقاوم سيف الدولة، فالعرب هاربة منه مع القطاني البراري، والروم هابة منه في الجبال مع الحجل، لأن بلادهم جبال وهذا المعنى مثل قوله:
يَسألُ أهْلَ القِلاعِ عَنْ مَلِكٍ ... قد مَسَخَتْهُ نَعَامَةُ شارِدْ