للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشيخ: التيار الموج، والمقربة الخيل التي جرت عادتها بأن تقرب عند البيوت، والرثم بياض جحفلة الفرس العليا، وإذا كان البياض في السفلى قيل فلاس المظ، وابتدأ الشاعر بصفة الخيل المعروفة، ولم يزل مستمرا على ذلك إلى قوله) دهم (ثم دل ذلك أنه يريد السفن يعني أنها مطلية بالقار وجعل فوارسها ركاب أبطنها، فدل ذلك على أنه يريد السن لا غير.

وقال ابن فورجة: أرسناس نهر عظيم يقول ظنوا أنهم إذا جاوزوه حال بينك وبينهم، وكيف بعصمهم وهو نفسه ليس يعصم منك، لأنك تقطعه وتركبه بالخيل والسفن وهي المقربة التي ذكرها، والرثم بياض في الشفة العليا من الدابة شبه الزبد على مقدمها بالرثم.

والأَعوجِيَّةُ مِلَْ الطَّرْقِ خَلفهُمُ ... وَالمشرَفِيَّةُ مِلءَ اليومِ فَوْقَهُمُ

قال الشيخ: نصب) ملء الطرق (بإضمار فعل كأنه قال: والأعوجية تردى أو تركض في حال ملئها للطرق، والإضافة على نية الانفصال كأنه قال: ملأ للطرق أي مالئه، ونصب) ملء اليوم (على نحو من هذا النصب.

وقال ابن فورجة: لما كانت الخيل مما يبسط في الأرض، جعل الطرق منها ممتلئة، ولما كانت السيوف مما يعلو في الجو ويهبط عند الضرب، جعلها ملء النهار لأن النهار ما بين السماء والأرض.

ومن التي أولها:

أنا لائمي إنْ كُنْتُ وَقْتُ اللَّوائِمِ ... عَلِمتُ بما بي بَينَ تِلْكَ المَعالِمِ

قال ابن جني: هذا كقولك أنا مثلك إن كان كذا وكذا، ونظيره قوله:

عُيُونُ روَاحِلي إنْ حَرْتُ عَيْني ... وكُلُّ بُغامِ رَزِحةٍ بُغامِي

أي أنا مثل الإبل إن حارت عيني، والمعالم جمع معلم، وهي الآثار والأمارات قال ذو الرمة:

أو دمْنَةُ هَيَّجتْ شَوقاً مَعالِمُها ... كأنها بالهِدَمْلاتِ الرَّواسِيم

وقال الشيخ: في البيت معنى القسم، لأن الإنسان يقول: أنا كافر إن كان كذا وإثبات الألف في أنا عند بعض النحويين ضرورة، وعلى ذلك يحملون قول حميد بن بحدل الكلابي:

أنا زَينُ العَشيرةِ فاعْرِفُونِي ... حُمَيْدٌ قد تَذَرَّيْتُ السَّنَامَا

والمعنى على هذا القول: أنا لائمي إن كان كذا، لأن اللائم عنده قبيح الشيمة مذموم الأفعال، ولو حمل قوله) أنى (على أنه فعل ماض من أنى الشيء يأني إذا حان وبلغ ميقاته، من قوله الله تعالى:) ألم يأن للذين آمنوا (لكان ذلك وجها حسنا، وسلم من إثبات الألف في غير موضع الإثبات، ويكون المعنى بلغ لائمي ما يريد إن كان ما ذكرت.

دِيارُ اللواتي دارُهُنَّ عَزِيزَةٌ ... بطُولِ القَنَا يُحْفَظْنَ لا بالتمَائِمِ

قال أبو علي ابن فورجة: هذا البيت ظاهر المعنى واللفظ، وإنما أتيت بذكره لنكتة وهي أنني قرأت على أبي العلاء، فقلت له: أنشد بطول القنا، أو بطولي القنا على وزن كبرى وصغرى، فقال: ما رويت إلا بكسر للام، فقلت: التمائم في آخر البيت جمع وطول واحد، فهلا أنشد بطولى يراد بها طوال القنا، ليكون جمعا مع جمع، هذا أجود في صنعة الشعر. فقال: ما اخترت إلا مختارا غير أن الرواية ما ذكرت.

فَمالِي وللدُّنيا طِلابي تُجُومُها ... ومَسعَايَ منها في شُدوقِ الأرَاقِمِ

قال الشيخ رحمه الله: طلابي مبتدأ، ونجومها خبره، والمعنى الذي أطلب نجومها فأقام المصدر مقام المفعول، فكأنه قال مطلوبي نجومها، ولو نصب نجومها لجاز، كما يقول: " ضربي فلانا " وهذا مثل قولهم: رأي عيني فلانا يفعل كذا، قال الراجز:

وَرأُيُ عَيْني الفَتَى أَخَاكا ... بُعْطي الجَزِيلَ فَعَلَيكَ ذَاكَا

يقول مالي وللدنيا أطلب فيها معالي الأمور، ومسعاي في شدوق الأراقم، أي في موضع الهلكة، التي لا تؤدي إلى فائدة.

وفَارَقتُ شرَّ الأرضِ أهلاً وتُرْبَةً ... بها عَلَويٌّ جَدَّهُ غَيرُ هَاشِمِ

قال الشيخ: الأجود أن تكون الهاء في بها راجعة إلى تربة، وتكون الجملة في موضع نعت لها، وقوله) بها علوي (إقرار بالعلوية، ثم نفاه عن هاشم، أي أن هذا الممدوح ينسب إلى علي بدعواه، وليس هو من ولده واسم هاشم عمرو بن مناف.

كأنكَ ما جاوَدْتَ مَنْ بَانَ جُودُهُ ... عَليكَ ولا قَاتلتَ مَنْ لم تُقاوِم

قال ابن جني: يقال جاودني فجدته، أي كنت أجود منه، من الجود والجودة معا.

<<  <   >  >>