قال ابن جني: لاهوتية كقولك إلاهية، ولست أعرف هذه اللفظة في كلام العرب، على أن العامة قد أولعت بها، ونصب) رهوتية (على المصدر، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في) تظاهر (. ولو كان اللاهوت من كلام العرب لكان اشتقاقه من) إله (الذي أدخل عليه الألف واللام، وصار علما لله تعالى، وذلك في أحد قولي سيبويه، ويكون كوزن الطاغوت، إلا أن الطاغوت مقلوب، واللاهوت لو كان عربيا لكان غير مقلوب فيكون على هذا فعلوتا بمنزلة الرهبوت والرحموت.
وقال الشيخ رحمه الله: نصب) لاهوتية (على التمييز، ولا يمتنع أن يكون نصبها على الحال، وإن كان النور مذكرا لأنه لا يمكن أن يقول تصور فلان رحمة، ويجوز أن تنصب) لاهوتية (لأنها مفعولة له أو من أجله، وبعض الناس يروي) لاهوتيه (بالإضافة إلى الهاء الراجعة على النور،
وَيهُمُّ فِيكَ إذَا نَطَقْتَ فَصاحةً ... من كلَّ عضْوٍ مِنكَ أن يَتَكلَّما
قال الشيخ: في) يهم (ضمير يعود على النور، ويجوز أن تكون) فصاحة (منصوبة على التمييز، وأن تكون مفعولا له، يقول يهم هذا النور أن يتكلم من كل عضو فيك، ولا يقتصر على اللسان دون الأعضاء.
وقال ابن فورجة: ويجوز أن تكون) من (مقحمة ويكون فاعل) يهم (كل عضو، وهذا كقولك: ويهم من كل رجل أن يخاصمني، تريد ويهم كل رجل، ويكون ضمير) يتكلم (أيضا للعضو، وعلى التأويل الأول للنور.
ومن التي أولها: ضَيْفٌ ألمَّ برأسِي غَيرَ مُحْتَشِمِ
أبعَدْ بَعِدتَ بَياضاً لا بياضَ لَهُ ... أنْتَ أسْوَدُ في عَيْنِي مِنَ الظُلَمِ
قال الشيخ:) أسود (في هذا البيت لا يراد به أشد سوادا، لأن النحويين يزعمون أن الألوان لا تستعمل في هذا الموضوع، ولا في النفي إلا بأشد ونحوها ويقولون: هذا أشد حمرة من الشقيق، ولا يقولون هذا أحمر من الشقيق وكذلك في التعجب ما أشد سواده، لا يقولون ما أسوده، ولم يجعله أشد سوادا من الظلم وإنما أراد أنه بعضها كما تقول فلان مسود من الليل، أي كأنه منه، ويحمل البيت المتقدم على أنه أراد لأنت أسود من جملتها، وقد أنشدوا بيتا شاذا وهو قول الراجز:
جارِيَةٌ في دِرْعِها الفَضْفاضِ ... أبْيَضُ مِنْ أختِ يَنِي إباض
وقد يتوجه لهذا البيت أن يكون على غير ما ذهبوا إليه، ويكون قوله) في درعها الفضفاض أبيض (أي في درعها جسد أبيض من أخت بني إباض، فيكون أبيض وصفا بالبياض، ويكون من هاهنا كما تقول للرجل من فلان صديق، وكذلك البيت المنسوب إلى طرفة:
إذا الرَّجالُ شَتَوْا وَاشْتَدَّ أكْلُهُمُ ... فأنْتَ أبْيَضُهُم سِربَالَ طَبَّاخِ
يريد أنت مبيضهم، أي ثوبك أبيض، ولا يريد أن ثوبه أشد بياضا من ثيابهم وإنما هو كما تقول هذا كريم من بني فلان، أي أنت كريم وأنت منهم، ونحو هذه الأبيات في أن) أفعل (لا يراد به التفضيل قول القائل:
وأَعنَقُ من أولاَدِ ذروة لم أجِئ ... بإعطائِهِ عَاراً ولا أنا نادِمُ
لم يرد أنه أطول عنقا من أولاد ذروة، وإنما أراد أنه طويل العنق فإنه من أولادها.
بحُبَّ قاتِلَتِي والشَّيْبِ تَغْذيَتِي ... هَوَايَ طِفلا وشَيْيبِي بالغَ الحُلمِ
قال الشيخ: تم الكلام عند قوله) تغذيتي (ثم فسر النصف الأول بالنصف الثاني فقال) هو أي طفلا (جعل هواي دالا على الفعل، كأنه قال هويت طفلا ونصب) طفلا (على الحال، وقوله) وشيبي بالغ الحلم (أي شبت حين بلغت الحلم، والنصب في بالغ الحلم كالنصب في قوله هويت طفلا على الحال.
قَبَّلْتُها ودُمُوعي مَزْجُ أدْمُعِها ... وقَبَّلَتْنِي على خَوفٍ فَماً لِفَمِ
قال ابن جني: نصب) فما (على الحال كما تقول، كلمته فاه إلى في، وتفسيره مشافها إلا أن المسموع فاه إلى في، فقاس هو هذا عليه، كما قال أيضا:
فَلا يُبَلْ قاتِلٌ أعادِيَهُ ... أقائِماً نالَ ذَاكَ أمْ قاعِدْ
فقياس) لا يبل (على) لم يبل (وهو المسموع.
وقال الشيخ رحمه الله: نصب) فما (بفعل مضمر، أو أسم فاعل يقوم مقام الفعل كأنه قال: جعلت فمها إلى فمي، أو جاعلة فمها إلى فمي، وقوله) فما (موضوع موضع الحال، وكذلك قولهم: كلمته فاه إلى في، أي جاعلا فاه إلى في، وأما قول الشاعر:
تحَسَّبَ هَوَّاسٌ وأيقَنَ أنَّني ... بِهَا مُفْتَدٍ من صَاحبٍ لا أُساوِرهُ