للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلتُ له فاها لفيك فإنها ... قَلوصُ امرئ قارِيكَ ما أنتَ حاذِرْه

فقوله) فاها لفيك (منصوب بفعل مضمر، كأنه قال تلقي فاها إلى فيك، يعني الداهية أو ضربة أو طعنة استعارها فما، وهواس يعني أسدا يطلب شيئا بالليل وتحسب أي تظنن من حسبت الشيء.

قد كلَّمتها العَوالي فهيَ مالحِةٌ ... كأنّما الصَّابُ مَعْصُوبٌ على اللَّجمِ

قال ابن جني: كلمتها من الكلوم وهي الجراح، وقالوا في قوله تعالى) أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم (أي تخرجهم بركلها إياهم، وقال حسان: لو يَدِبُّ الحَوْليُّ مِنْ ولدِ الذرَّ عليها لأندَيتَها الكُلُومُ وقال ثعلب: ليس معنى الحولي الذي أتى عليه الحول، لأن ولد الذر لا يعيش حولا، وإنما يريد بالحولي الذي تحول من حال إلى حال.

قال الشيخ أبو العلاء: قول حسان: لو دبت الحولي، وهو ما صغر نت الذر على سبيل المبالغة، لأن العادة جرت بأن الحولي من البهائم يكون أصغر من غيره، فأجرى حسان الذر مجرى سواه، والدليل على صحة هذا القول البيت الذي اجتمعت الرواة عليه لامرئ القيس:

مِنَ القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ ... من الذَّرَّ فوقَ الاتْبِ منها لأَثرَا

فقوله) محول (مثل حسان) حولي (أي قد أتى عليه حول، وإنما اتبع حسان أمرأ القيس.

وكُلَّما نُطِحَتْ تَحْتَ العَجاجِ بِهِ ... أُسدُ الكَتائِبِ رَامَتْهُ ولم يَرمِ

قال ابن جني: أي زالت عنه ولم يزل هو، وأراد رامت عنه، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل بنفسه، قال الأعشى:

أبَانَا فلا رِمْتَ من عِنْدِنا ... فإنَّا بخيرٍ إذا لم تَرْمْ

أي لا برحت، وقد استعمله أبو نواس بغير حرف جر قال:

فما رمتُهُ حتى أتَى دونَ ما حَوتْ ... يِمينِي حتى رِيطَتِي وردَائِي

أي تمله الأبطال ولا يملها، وليس النطح مما يليق بذكر الأسد، وكان الأولى عندي أن يقول وكلما صدمت أو رميت أو نحو ذلك.

قال الشيخ: قوله إن) رامته (في معنى زالت عنه فيه نظرة، وقد يجوز هذا المعنى ويحتمل أن يكون رامته من رام يروم، فيكون الغرض رامت أن تصل إليه وهو على ذلك لم يرم من مكانه، وهذا أشبه من أن يكون رامته في معنى رامت عنه ويقوي هذا القول أن) رمت (إذا كان في معنى برحت لم يستعمل إلا في النفي، وقوله) رامته (قد استعمله في الإيجاب ألا ترى أنك تقول ما رمت من موضع كذا حتى فعلت، ولا يحسن أن تقول رمت من موضع كذا بغير جحد وعلى الوجه الذي استعمله أبو نواس لأنه قال) فما رمته (فجاء به في النفي.

ومن التي أولها: مَلامُ النَّوَى في ظُلمِها غايةُ الظُّلمِ

لألْقى ابنَ إسحاقَ الَّذِي دقَّ فهمهُ ... فأبْدَع حتى جَلَّ عنْ دِقَّةِ الفَهمِ

قال الشيخ: " اسحق " كلمة أعجمية لم تصرف للتعريف والعجمة، وقد وافقت من العربية مصدر قولهم أسحقه إسحاقا، وقوله) فأبدع حتى جل عن دقة الفهم (من قول الأول:

حَدَثٌ ما نَابَنا مُصمئلٌّ ... جَلَّ حتَّى دَقَّ فيه الأجلُّ

إذا بَيَّتَ الأعْدَاءَ كانَ استمِاعهُم ... صِيرَ العَوالي قَبْلَ قَعْقَعةِ اللُّجْمِ

قال الشيخ: أي طرقهم بياتا وهم نائمون، وصرير العوالي صوتها، وكأن أصوات اللجم مقعقعة، وأكثرها ما يستعمل في الحديد الصلصلة، وإذا كانوا قد وصفوا الحلي بالقعقعة فالحديد أولى به قال النابغة:

يُسَهَّدُ من نَومِ العَشِي سَلِيمُها ... لحلْيِ النّساءِ في يَديهِ قَعاقِعُ

مُذِلُّ الأعِزَّاء المُعِزُّ وإنْ يَئِنْ ... بِهِ يُتْمُهُمْ فالمُوتِمُ الجابِرُ اليُتمِ

قال ابن جني: يئن يحضر، أي هو مذل الأعزاء، أو معز الأذلاء، كأنه يضع قوما ويرفع آخرين. قال الأصمعي: لا مصدر لآن وقال أبو زيد: أنى أنيا أي حان وقوله به أي على يديه.

وقال الشيخ: هو من قولهم آن الشيء يئين إذا حان، وهو مثل قولهم أنى. وإحدى الكلمتين مقلوبة من ألخرى، واليتم أصله الانفراد، قال الشاعر:

كوماء يَسمُو فوقَها ... مثلُ اليتيمِ مِن الأرانب

يعني بالأرانب جمع أرنب، وهو الموضع المرتفع من الأرض، واليتيم المنفرد وإنما يصف ناقة بعظم السنام.

أطعْناك طَوعَ الدَّهرِ يَا ابنَ يوسُفٍ ... لِشَهْوتِنا والحَاسِدُو لَكَ بالرَّغمِ

<<  <   >  >>