قال الشيخ: يقول لو لم يل أمور الناس إلا مستحق لذلك، لوجب أن يكون بعض الرعاة مرعيا، يريد أن الرجل منهم يلي الجماعة الكثيرة، وفيهم من هو أحق منه بالولاية، ولو كانوا مرتبين على ما توجبه العقول، لكان سوامهم أعقل منهم وهذه مبالغة في ذم الناس.
إذا كانَ الشَّبابُ السُّكْرَ والشَّيْ ... بُ هَماً فالحَياةُ هِيَ الحِمامُ
قال الشيخ: يقول إذا كان الشباب كالسكر، لا يصح به معقول الإنسان، وكان الشباب إذا جرب وعقل جاءه الشيب، فاهتم لذلك، فالحياة هي الحمام أي الموت خير منها، وقد قال القائل:
إذا احتاجَ الكَريم إلى لَئيمٍ ... ففي موتِ الكَريمِ له حَياةُ
فَقَدْ خَفِيَ الزَّمانُ بِهِ عَلَيْنا ... كَسِلْكِ الدُّرَّ يخُفِيهِ النَّظَامُ
قال ابن جني: يقول: قد اشتمل على الزمان فخفي بالإضافة إليه، وشبهه بالدر إذا اكتنف السلك لنفاسته وشرفه، وهذا كقوله في سيف الدولة: فأتَيْتَ مِنْ فَوْقِ الزَّمانِ وتَحْتِهِ قال الشيخ، ورواه بها: الهاء راجعة إلى عطاياه، وأدعى أنها قد انتظمت الزمان فغطته كتغطية الدر ما نظم فيه من السلك.
ومن التي أولها: نَرَى عِظَماً بالصَّدَّ والبينُ أعظمُ
وَلا يُبْرَمُ الأمْرُ الَّذِي هو حالِكٌ ... ولا يُحْلَلُ الأمْرُ الَّذِي هوَ مُبْرمُ
قال الشيخ: يقال أبرمت الشيء إذا أحكمته، وأصل ذلك من فتل الحبل وبعض الناس من يعيب عليه) حلل (لأنه أظهر التضعيف، وتلك ضرورة، ولو وضع مكانها ناقصا لسلم من الضرورة، ويجوز أن يكون الشاعر فعل ذلك ليعلم أنه عالم بالضرورات، فأما قول ابن أم صاحب:
مَهْلاً أعاذِلَ قد جَرَّبْتِ من خُلُقِي ... أني أجُودُ لأقْوَامٍ وإنْ ضَنِنِوا
فإنه احتاج إلى إظهار التضعيف، لأنه أراد أن يقابل الجود بالضن، ومنها قول زهير:
لمْ يَلْقَها إلاَّ بِشِكَّةِ باسِلٍ ... يخْشَى الحَوادِثَ حازِمٍ مُستَعْدِدِ
أجِدّكَ ما تَنْفَكُّ عَانٍ تَفُكُّهُ ... عُمَ بنَ سُليَمانٍ ومَالا تُقسمُ
قال الشيخ رحمه الله:) أجدك (بمعنى أجد منك، وهو استفهام كالمعلوم عند المستفهم، ونصب) أجدك (على المصدر أو فعل مضمر، وينبغي أن يكون) عان (مرفوعا بالابتداء، ولولا وزن البيت لكان نصب) عان (أوجه، والتقدير ما تنفك تفك عانيا، ويقوي نصبه أنه نصب) مالا (وقوله) عم بن سليمان (أراد عمر فرخم على رأي أهل الكوفة، والبصريون لا يرون ترخيم الثلاثي الذي أوسطه متحرك.
وقال الاحسائي: رخم عمر وهو على ثلاثة أحرف، لأن أصله عامر فدخل عليه العدل للمبالغة فقامت المبالغة فيه مقام الألف المحذوفة منه، فلما رخمه اعتد بالمعنى الذي هو المبالغة اعتداده بالحرف الرابع منه، فلذلك أجاز فيه الترخيم، ولو كان مثل زيد وعمر ولما جاز ترخيمه البتة، وهذا دقيق في تعليل الإعراب.
ومن التي أولها: لا افْتِخارٌ إلاَّ لَمنْ لا يُضَامُ
حَسَنٌ في عُيُونِ أعْدَائِهِ أقْ ... بَحَ من ضَيْفِهِ رَأتْهُ السَّوَامُ
قال ابن جني: هذا مما يسأل عنه فيقال: كيف يكون حسنا في عيون أعدائه وهل هذا هجاء؟ فالجواب أنه أراد أنه في الحقيقة حسن، إلا أنه مع هذا أقبح في عيون أعدائه من ضيفه إذا رأته السوام، وهو المال الراعي لأنه ينحر الإبل للأضياف فهي تكرههم، وقوله في) عيون أعدائه (ظرف للقبح لا للحسن، وقدمه عليه كما تقول: زيد في الدار أحسن منك، على هذا استقر الكلام بيني وبينه وقت القراءة عليه.
إنما مُرَّةُ بْنُ عَوْفِ بِنْ سَعْدٍ ... جَمَرَاتٌ لا تَشتهِيها النَّعامُ
قال الشيخ: قد شاع بين العوام أو النعام تلتقم الجمر، فحمل أبو الطيب كلامه على ذلك، وقال مرة بن عوف بن سعد جمرات لا تشتهيها النعام، أي هي جمرات عظيمة، وهي في العرب قبائل تعرف بالجمرات، وإنما سميت بذلك لشدة بأسها، وهي أربع: الحرث بن كعب، وعبس، وبغيض وضبة بن أد، ونمير بن عامر.
وَعَوَارٍ لَوَامِعٌ دِينُها الحلُّ ... ولكنَّ زِيَّها الإحْرامُ
قال الشيخ: وصف السيوف بأن دينها الحل لأنها لا تقتل إلا من يجب قتله، وبالإحرام لأنها لا تقر في الغمود فهي عارية.
كُتِبَتْ في صَحَائِف المجْدِ بسْمٌ ... ثُمَّ قَيْسُ وَبَعْدَ قَيْسِ السَلامُ