للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال السيخ: جعل الباء هاهنا مع اسم بمنزلة الكلمة الواحدة الثلاثية نحو رجل وجذع، ولعل هذه الكلمة ما استعملت على هذه السجية إلا في هذا البيت، لأنه جعلها بمنزلة كلمة واحدة. وأدخل عليها التنوين. ولو أنها بسم الله لحسن أن تحكى على ما هي عليه، فيقال: كتبت في صحائف المجد بسم الله، فأما قول القائل:) إن لوا وإن ليتا عناء (. فليس هو هذا الجنس، لأنه أخرج) لو (من بابها، وجعلها كلمة معربة، ولا من نحو قولهم: مررت ببرق نحره، لأن الجمل إذا سمي بها فهي محكية في النصب والرفع والخفض.

ومن التي أولها:

ألا لا أُرِي الأَحْدَاثَ حَمْداً ولا ذَمَّا ... فَما بَطْشُها جَهْلاً ولا كَفُّها حِلمَا

قال ابن جني: يقول لا ذنب للمصائب فأذمها، ولا إحسان فأحمدها، لأنها غير ناطقة في الحقيقة، وإنما تنسب إليها الأفعال استعارة ومجازا وقال الشيخ أبو العلاء:) أري (في البيت بمعنى أعلم، وهي تستعمل كثيرا على هذا الوجه، وأصل الرؤية في العين، ثم استعملت في العلم والاعتقاد والمشورة ونحو ذلك، تقول: المسلم يرى أن الصلاة فرض، أي يعتقد وفلان يرى أن تفعل كذا، أي يشير عليك.

إلى مِثْلِ ما كانَ الفَتى مرْجعُ الفتى ... يَعُودُ كما أبدَى ويُكْري كما أرمْى

قال الشيخ: يقال بدأ الشيء بالهمز وهي اللغة الجيدة، ويقال أبدى في معنى بدا، وهي قليلة، ويقال أكرى الشيء إذا نقص، وأكرى إذا زاد، وهي من الأضداد، وكرى الزاد إذا نقص، وأكرى الرجل إذا نقص زاده، قال الشاعر:

كذِي زادٍ مَتى ما يُكْرِمَنهُ ... فليس وَرَاءَهُ ثِقَةٌ بِزّادِ

وأرمى على الشيء إذا زاد عليه، والاسم منه الرما، وفي الحديث " إني أخاف عليكم الرماء " أي الربا، والمعنى أن الفتى كان معدوما، وإلى مثل ذلك يعود.

بَكَيْتُ عليها خِيفَةً في حياتِها ... وذَاقَ كِلانا ثُكْلَ صاحِبِهِ قِدْما

قال الشيخ: يقول كنت أعلم أنني لا بدلي من فراقك، فكنت أبكي عليها والفراق لم يكن، وكانت هي من لإشفاقها علي كأنها ثكلة وهذا نحو قوله: مَنْ رآها بِعَيْنه شاقَهُ القُطَّان فيها كَما تَشُوقُ الحُمُولُ

منَافِعُها ما ضَرَّ في نَفْعِ غَيرها ... تَغَذَّى وتَرْوَى أنْ تجوَع وأَنْ تَظما

قال الشيخ: يقول هذه المرأة كانت ترى أنها تنتفع بنفع غيرها، وإن كان نفعها إياه يضرها، والمراد أنها تطعم المساكين، وتجوع وتطمأ وظمؤها في نفسها ري وكأن هذا مأخوذ من قوله تعالى) ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (.

ومن قول الهذلي:

أقسّمُ جِيمي في جسُومٍ كثيرَةٍ ... وَأوثِرُ غَيري مِنِ عِيالِكِ بالطُّعمِ

وقال ابن فورجة: هذا أحد الأبيات التي زل فيها الشيخ أبو الفتح بن جني فقال أي منافع الأحداث أن تجوع وأن تظمأ، وهذا ضار لغيرها، ومعنى جوعها وظمئها أن تهلك الناس، فتخلى منهم الدنيا وهذه كقوله أيضا: كالمَوْتِ لَيْسَ لَهُ رِيٌّ ولا شبعُ فرحم الله أبا الفتح أليس قد قال) في نفع غيرها (فأي نفع للناس في أن يهلكوا، وإنما الهاء في) منافعها (راجعة إلى الجدة المرثية، يريد أن منافع هذه المرأة لصلاحها وتقواها، وإيثارها على نفسها، وكثرة صيامها وعبادتها، ما جرت العادة به أن يضر، وذاك أنها تؤثر الجوع والظمأ على الري والشبع، فإذا جاعت وظمئت كأنها تغدت ورويت، وقوله) في نفع غيرها (موضعه الرفع لأنه خبر ثان لمنافعها، والخبر الأول) ما ضر (ويجوز أن يكون في بمعنى مع، يريد ما ضرها مع نفع غيرها، كما تقول أردت شتمك في إكرام زيد، أي مع إكرام زيد.

إذا فَلَّ عَزْمِي عَم مدىً خوْفَ بُعْدِهِ ... فأبْعَدُ شَيْ ممكِنٌ لم يجَدْ عَزْما

قال ابن جني: يقول: وجود الممكن مع عدم العزم، أبعد عن الوقوع من وجود عزم مع بعد لمطلب أي إذا لم يكن عزم لم يوصل إلى شيء البتة.

وَإني لَمنْ قَوْمٍ كأنَّ نُفُوسَنا ... بها أنَفٌ أنْ تَسكُنَ اللَّحْمَ والعَظْما

قال الشيخ: كان أبو الطيب له مذهب في أن يحمل الضمير على المعنى كقوله في هذا البيت) كأن نفوسنا (، ولو قال كأن نفوسهم لرجع الضمير إلى) قوم (وكان أقرب إلى فهم السامع، وكأنه أراد بهذا القول: إنا نؤثر القتل لأن نفوسنا تأنف من سكناها اللحم والعظم.

ومن التي أولها:

<<  <   >  >>