للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتماسك الأمور حتى تبلغ إلى غاية، ثم تتباين وتتهافت وتستمر حتى تنتهي إلى نهاية، ثم تتخاذل وتتفاوت. لن يفيض الإناء وإن تدارك القطر عليه حتى يمتلي، ولا يتساقط الثوب وإن دب فيه البلى حتى ينتهي. قد تتسمح الأيام بما تمنع، وتتساهل ثم تقطع، وتصل الغبطة، بالرزية، والمحنة بالمحنة، ولها غرات تبتدر، وغفلات تنتهز. قبل أن تفطن فيخشن مسها، ويمتنع جانبها، ويتأبى طائعها، ويتصعب سهلها. قد يعزب العقل ثم يؤوب، ويغرب اللب ثم يثوب، ويذهب الحزم ثم يعود، ويفسد العزم ثم يصلح، ويضاع الرأي ثم يستدرك، ويسكر المرء ثم يصحو، ويكدر الماء ثم يصفو، وكل شدة فإلى رخاء، وكل غمرة فإلى انجلاء. قد تنفجر الضخرة بالماء الزلال، ويلين القاصي فيعود إلى الوصال. العاقل من افتتح في كل أمر خاتمته، وعلم من بدء كل شيء عاقبته، وطالع بظنه من كل غرس ما يجنى منه، ومن كل زرع ما يحصد عنه. خير القول ما أغناك جده، وألهاك هزله. من أسر داءه وستر ظماءه، بعد عليه أن يبل من علله، ويبل من غلله، الرتب لا تبلغ إلا بتدرج وتدرب، ولا تدرك إلا بتجشم كلفة ونصب. الصحيح يصيح ويفصح، والحق يلوح ويلمح. الوداد غرس إن لم يوافق ثرى ثريا وماء رويا، لم يرج إيراقه، ولم يؤمل ثماره وأوراقه. القلوب أوعية يشرحها الرفق، ويبسطها اللطف، ويفسحها التمرين، وإذا تجوز بها هذه الخلال، إلى الأستكراه والإملال، خرجت عن احتواء علم، وضاقت عن ضبط فهم، وفاضت بما تستودع. رأس المال خير من الربح، والأصل أولى بالعناية من الفرع. المرء أشبه شيء بزمانه، وصفة كل زمان منتسخة من سجايا سلطانه. قد يبذل المرء ما له في صلاح أعدائه، فكيف يذهل العاقل عن حفظ أوليائه، للأمور أوائل دالة على أواخرها، ومقدمات شاهدة لعواقبها، هل السيد إلا من تهابه إذا حضر، وتغتابه إذا أدبر. الإبقاء على خدم السلطان عدل الإبقاء على ماله، والإشفاق على حاشيته وحشمه، مثل الإشفاق على ديناره ودرهمه. قدم من خيرك ما لا ينفعك تأخيره، واحصد

<<  <   >  >>