وكذلك يجب أن نتجوز في العلم الطبيعي عندما نبرهن فيه على الأنواع التي لها شخص واحد، إما اللذين كالشمس والقمر، وإما الذي كالأرض، فإن الأرض أنما يوجد لها شخص واحد كلي، وهي تفني بأجزائها، وكذلك الهواء والأرض في ذلك أشد تغليطاً. فإن البيان على الكلي لا على الشخص، حتى لو كان للشمس مثلاً أشخاص كثيرة لكانت تتحرك خارج المركز، فعند ذلك تكون المقدمات ذاتية، وإن أخذت على أنها ذلك الشخص، لم تكن المقدمة ذاتية على هذا النحو، وكانت علمية بالعرض، وعند ذلك يمكن ن تكون هذه المقدمات، سواء كانت أول أو نتائج، نافعة في الحدود بالذات.
وجنس العدد هو المجتمع من الواحد ومن الكثير. وأعني بقولي: المجتمع، المتقوم. كما يقال الحيوان يجتمع من المغتذي والحساس، وليس في العدد معنى غير هذين. ونجد الأعداد إذا تكثرت وجدت بذلك أمور كثيرة مختلفة، فأولها الزوج والفرد والجذر والمربع والمكعب، وبالجملة فالمجسم والمسطح والأول والمركب والمباين والمشارك والتام والناقص والزائد والمحاب وسائر ما يلزم هذه.
فقد يجب أن ننظر كيف لحقت هذه اللواحق المختلفة أجناسها لما تركبت من معنيين.
الواحد قد يكون شخصاً مشاراً غليه كزيد وعمرو وهذا البياض وتلك الاستدارة. وقد يكون صوراً روحانية كالإسكندر وتبع. وقد يكون أنواعاً، وبالجملة فأمور معقولة كالخمسة الستة والإنسان والفرس، وبذلك نقول أن القطوع ثلاثة وإن ذوات الأضلاع الأربعة خمسة أنواع.
والواحد الموضوع للعدد الذي يجري منه مجرى الهيولى فليس بواحد من هذه ضرورة، بل هو معنى الوحدة في موضوع، سواء كان هيولانياً أو روحانيا أو معقولاً، لأن الوحدة مما يقال في موضوع، اللهم غلا فيما وجوده أنه واحد، فإن تبرهن ن شيئاً بهذه الصفة دلت فيه الوحدة على ما يدل الواحد. وظاهر أن ما هذا سبيله فليس موضوعاً لعدد، إذ لا يتكثر، فإن التكثر إنما يلحق الواحد من أجل الهيولى. فالواحد الموضوع للعدد فيه ضرورة أمر يجري مجري الهيولى. وإذا كان الواحد يلحق المعقولات فالمعقولات له تجري مجرى الهيولى.
وظاهر هنا إن الواحد يقال باشتراك على المعقولات وعلى الموجودات الهيولانية. وقد تلخص في غير هذا الموضع أن الواحد يقال على المعقول بتقديم وعلى الهيولاني بتأخير، لكن ليس في الزمان، وتبين هنا مما قلناه، إذا نظر فيه يسر نظر، أن العدد يقال على الهيولانية بنحوي التقدم، وعلى المعقولات بالتأخير وعلى طريق النسبة. فلننظر في اللاحق للمعقولات، فالواحد المعقول هو متقوم من معقولين: أحدهما يجري مجرى الهيولى، والأخر يجري مجرى الصورة. وهذا غير مدفوع مما يوجد العقل، فإن العقل قد يكون موضوعاًن فإن الموضوع والمحمول هذه حال أحدهما من الآخر، فإن المحمول صورة الموضوع. وقد يكون ذلك المحمول موضوعاً كالحد الأوسط في الشكل الأول، وما أحسن ما شبهه أرسطو بالخط المستقيم المتساوي بعضه على بعض. وإلى هذا المعنى أشار أفلاطون عند محاكاته إياه بالدوائر اللولبية.
وإن نحن فرضنا أن ذلك يعرض في معقول لزم من ذلك ما لا نهاية معاً في الوجود، وذلك محال لا مرية فيه. فإذن سننتهي ضرورة إلى عقل لا يمكن أن يوضع، فيعمل منه شيء. بل أن عقل فذاته حتى يكون معنى عقل ومعقول فيه واحداً. فهذا هو الذي يلزمه القول أن هناك شيئاً أو عقلاً وهو بهذه الصفة. وهذا القول رسم، فإنه لا يتقدم ذلك المعنى بأنه لا يعقل منه غيره، بل أن هذه كلها نسب تلحقه، وأعدام نسب تلحقه. والذي يظهر من القول نه أخص به فهو الحد الذي يجري مجرى نتيجة برهان، وهو المقام مقام الجنس، وهو المدلول عليه بقولنا عقل. لكن هذا ليس بجنس بل هو اسم مشترك مشكك، وإنه أخص من قولنا شيء، إذ الشيء ليس يدل على الهيولاني وعلى غير الهيولاني، وعقل يدل على ما ليس بذي هيولى، فإذن يدل من هذا الوجود على جهة يمكن أن يتصور بها بنحو أخص.