فإما ما يظن به من إفادته القوة على إيجاده في المواد على مثل ما يستعمل كثيراً، مما تبين في الصناعة النظرية، أهل الهندسة الفاعلة، فذلك بالعرض لا بالذات. فإن كثيراً من المطالب النظرية في هذه الصناعة يتبين وجودها بأنفسها. مثال ذلك وجود وعاء من جسم شكل بسيطه مستطيل فإنه لمجسم وكانت قاعدته طوله، فإنه الشاهد إذا شاهده مرة واحدة في جسم واحد، كأنك قلت فضلة توب أو قطعة رق، وقع له اليقين في كل مجسم بالإطلاق مصنوع من مختلف الأضلاع. غير أن هذا البيان لا يكون هندسياً أصلاً، وإنما يكون هندسياً إذا قال نسبة المجسم إلى المجسم، إذا كانا لا بالأحوال كذا، هي النسبة التي تؤلف من قواعدها وارتفاعها، ثم أتى بالبرهان عل ذلك. وإنما يوقع الظن بذلك أن كثيراً من المطالب الهندسية مبادئ لأعمال الهندسة الفاعلة كالبناء والنجارة، وهذا أمر عرض لها من حيث هي أمور موجودة لا من حيث هي صناعة رياضية. ولما ظن بها هذا الظن، وكانت أعمال الهندسة منافع، كانت عند من ظن بها هذا الظن هذه المطالب أشرف مطالبها. ومن كانت عنده الهندسة الفاعلة جملة قل عنده لذلك جدوى الهندسة وأطرحها وهمه.
والسبب في ذلك كله خفاء غايتها الذاتية من ظهور غايتها التي لها بالعرض.
وظاهر أن هذا النوع من النظر إذا أخذ من حيث هو ارتياضي نظري، فإنما يفيد وضع المسائل المركبة، فإن وضع المسائل مركبة ليس مما يرشد إلى نفسه، بل يحتاج إلى صناعة وتأن.
ولما كانت العبارة عن الأمور الهندسية بالألفاظ الدالة على معانيها يطول، استعمل المهندسون عوضها العبارة بعلامات، إذ كان استيفاء العبارة عن بعضها في غاية العسر والطول ولذلك نستعمل نحن ذلك فيما نقول لا في المثل.
فليكن خط أب مفروضاً، وليعمل عليه مثلث أبج كيف كان. فيمكن أن يكون على خط أب مثلثات لا نهاية لها تكون زواياها مساوية لزاوية ج، ومثلثات زواياها أعظم أو أصغر، ونريد أن نعلم هل ينتهي دائماً إلى خط واحد أي خط كان أم لا، فإن كان لا ينتهي فنضع ذلك مطلباً، وتقول: كل مثلث يعمل على مثلث خط أب تكون زاويتاه مثل زاوية ب فسينتهي بعضها إلى خطوط مختلفة. وإن تبين أنها تنتهي إلى خط واحد، وهو قوس من دائرة حال قطرها من وتر القوس حال محدودة، جعلنا ذلك مطلباً، وتلونا ذلك استعمال البرهان عليه. وكذلك إذا فرضنا خط أب عليه نقطتان ح د، وأردنا أن يكون سطح أد في ح? د، مثل مربع د ب، وسطح ب ح في ح د مثل مربع أح، ثم وقفنا الفكرة الهندسية على أنا إذا وضعنا هـ? ز مفروضاً وكان ر ط المساوي له يحيط معه بزاوية، وأنفذنا ر إلى م، وط ز إلى ب، وجعلنا نقطة هـ? رأساً لمكان ضلعه القائم هـ? ز، وهو قطره.
إلى هنا وجدت هذا القول الحمد لله على إحسانه، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
?بسم الله الرحمن الرحيم
[والله الموفق والمعين]
[ومن كلامه رضي الله عنه]
[في ماهية الشوق الطبيعي]
قال الوزير أبو بكر رحمه الله.
التشوقات النظرية الطبيعية أولها وأقدمها لا بالزمان فقط بل وبالطبع، وكما يتقدم السبب المسبب وهو الذي به نقول ما هو، وهو التشوق إلى ما به قوام ذلك الشيء. وهذا قد يمكن أن يعطي خلواً من الهيولى، فإذا أعطى خلواً من الهيولى حدث تشوق آخر، وهو الذي نسأل بعما ذا هو، فإذا علمناه واتفق أن أعطى هذان فقط حدث تشوق آخر، وهو الذي فوق هذه الصورة هذا الموضوع ولأي شيء لقريب وكيف صار له بعد أن لم يكون له في وجوده، سواء كان كائناً أو لم يكن، وهذا السبب هو المحرك القريب. فإذا أعطيناه حدث لنا تشوق رابع وهو لم كان هذا، وماذا كان القد في تأليف هذا المعنى إلى هذا الموضع الذي من أجله حرك المحرك، وما القصد في هذا الوجود، فإن لنا بالطبع هذا التشوق، ولذلك يعد أرسطو قولنا: أن الطبيعة لا تفعل باطلاً وإنما تفعل من أجل شيء، في المقدمات الأول، فإن هذه المقدمة لو كانت باطلاً حتى يكون فعل الطبيعة نحو شيء إنما هو بالعرض لا بالذات، لكان هذا التشوق غير طبيعي. فلننزله كما هو في نفسه، فإذا أعطيناه فقد كمل العلم بالشيء، وكف التشوق جملة.