فقد وقفنا هـ القول على وجود المتحرك في الحيوان بالطبع الذي هو به حيوان، لأن كل حيوان فهو ذو جسم متميز الجهات، وأمكنته متميزة الإضافات بعضها إلى بعض. هذا الحيوان من جهة ما هو حيوان. وأكمل الحيوان تميز جهات هو الإنسان، لأن جهات كل جسم مستقيم ست. فأما النبات فقد تميز فيه الفوق والأسفل، لكن بخلاف وضع العالم، وسنقول فيه بعد هذا، وأما الحيوان غير الناطق فقد تميز في الساعي منه الإمام والخلف. فإن ذوات الأصداف ليست بساعية، وتميز في أكثر هذا اليمين واليسار، فما الفوق والأسفل فلم يتمي فيه، إذ الحيات مستورة ولا قوائم لها. وأيضاً فإن وضع. كان فوقه هو ظهره، والظهر في الإنسان هو وراؤه، والإنسان في جميع الموجودات الهيولانية تميزت فيه الجهات كلها، فإن أمامه متميز من ورائه، وفوقه من أسفله، ويمينه من يساره. وهذه الأجناس أعني أجناس الحركة المكانية، قد تكون بإرادة الحيوان وقد تكون بالضرورة. فأما بالضرورة فكهبوط المتردي من علو، فإن هذا أحد أصناف ما يقال عليه بالضرورة. وقد تلخص ذلك في علم الأخلاق. ونقل المريض عن مضجعه قد يكون بإرادة كحركة الإنسان إلى السوق. وأما حركة الضرورة في غير الجنس الأول فقد يكون المحرك للحيوان خارجاً عنه، وقد يكون في الجنس الأول مثل نقل المريض من البيت إلى الشرفة. وأمكنة الحيوان فإنها مع تحديدها بالإضافة إليه فلا بد لكل مكان من تحديده، فإن الركن مكان حددته الطبيعة، والمقبض مكان تحدد بالقبض.
وتلخيص أصناف أمكنة الحيوان لا يليق بالقول في الحركات المكانية.
تم القول الحمد لله على نعمه.
! ?ومن كلامه فيما يتعلق
[النزوعية]
بسم الله الرحمن الرحيم والله الميسر والمعين العادة إنما توجد للإنسان بالنفس النزوعية، فإن الذي يقبل العادة هو الجزء النزوعي والجزء العادي.
والعادة أصناف تقال عليها العادة بتشكيك، فيجب أن نحصي الأشياء التي تقال عليها العادة، ونلخص بعضها من بعض حتى تتميز.
الخشوع ومقابله لا اسم له في العربية فليسم الاستهانة. والخشوع للكمال من جهة أنه كمال، والاستهانة بالنقص من جهة أن نقص. لكن لما كان الكمال والنقص ليسا بذاتهما موجودين، بل أنهما حالان لحقتا الأمور، فكأنهما جنسان، فلذلك إنما يوجدان في موضوعاتهما، فكل كمال فيجب أن يخشع له. وهذه قضية أولى معترف بها عند الجميع، فأما أن هذا وذاك كمال فذلك مما يحتاج إلى تبيين. فقد يكون أمر ما عند قوم كمالاً، وعند آخرين نقصاً، وذلك بين لمن يتصفح الشرائع المختلفة والآراء والسير. وقد يكون شيء كمالاً عند شيء ونقصاً عند شيء آخر، وهذا هو الكمال بالإضافة. وهذه قد تكون وقتاً كمالاً ووقتاً غير كمال. لكن هذا ليس يقال له كمال، بل إنما يطلق عليه اسم الخير فإن الخير إما أن يكون مرادفاً للكمال أو أعم منه. والأشياء التي هي كمال قد تكون بالوضع وبالشرع، فتكون في بعضها الآراء المكتوبة والآراء المكتوبة تشتمل على الكمال بالوضع فتكون عند قوم ما، وعلى الكمال المشهور فتكون عند الجميع، وما بالوضع فمختلف. فما كان كمالاً عند قوم لا يكون كمالاً عند آخرين، وكذلك من نشأ في قوم لا تخشع نفوسهم لأمور يستهين بها آخرون. فلذلك إذا كان ما هو كال في الوجود وكان إنسان ما من قوم قد اعتاد إلا تخشع نفسه لذلك الذي هو كمال، ثم تبين له أن الأمر كمال لم تخشع له نفسه، ولا أكرمه، ولا رأي أنه حصل له شيء، فيكون ذلك العلم عند ذلك الإنسان مطرحاً لا يحفل به غلا من لزومه عن القول. وكما أن المرضى يحسون الحلو مراً ويرون الواحد كثيراً، كذلك مرضى النفوس يرون الكمال نقصاً ويرون النقص كمالاً، وكما أنه لا سبيل لهؤلاء المرضى إلى أن يحسوا الحلو أصلاً حتى يصلحوا، كذلك مرضى النفوس لا يمكنهم أن يروا الخير خيراً حتى تصح نفوسهم. وكما أن من المرضى من يحس الحلو مراً ويقضي عليه أنه مر، ومنهم من يحس أنه مر ويعلم أنه حلو ويقضي أن الآفة عنده فالأول واجب عليه أن يشتهيه وأن يطرحه والثاني ألا يشتهيه فقط وكلاهما لا يفعل عن الحلو ما شأنه أن يفعل عنه، كذلك مرضى النفوس يلحقهم هذا بعينه فلا يفعلون عن الخير، ولا يحركهم الخير، ولا تكون الصورة الروحانية للأشياء التي هي خير تحرك هؤلاء أصلاً، بل أن حركتهم فإلى الهرب منه.