وأهل السنن المشهورة والموجودة في سني الستمائة للهجرة من تاريخ العرب فكلها توقع في النفوس أمراضاً، فلذلك لا يعرفون الكمال المتبرئ عن القوة، وإنما يعرفون السكون، وهو أذى بالقوة محضاً، وهذا يقترن به الشوق، فهم لذلك لا يشعرون، لأن الشوق ألم، ويعرفون من الكمال ما تقترن به الحركة لأن اللذة عند ذلك تكون. وإذا حصل الكمال وتم، لم يشعروا به. ولذلك لا يشعر الصحيح بصحته ولا يرى أنه أعطى شيئاً له قدر، ويشعر المرضى بها، فيرونها أعظم المدركات، إذ كانوا بالقوة أصحاء.
والشعور بالسكون الكمالي، إن جاز أن يقال له سكون، لأنه سكون لا تقترن به قوة حركة فلذلك هو سكون على العموم، أمر فاضل جداً. فيجب أن نرتاض بالشعور به حتى يحصل ملكة، وهذا النوع إذا حصل ملكة كان له غناء في وجود إنسان عظيم القدر جداً. وهذا مما يجب أن يقدم فيوضع قبل القول في السعادة القصوى.
وكما أنا قلنا في الأفعال، فكذلك يجب أن نفحص فنحصي على كم وجه يقال أن الفاعل يفعل، وكيف نحس الجزء النزوعي بالفعل. فإن النفس النزوعية تنفعل، وإنما نفعل لا بالنفس النزوعية، بل بجزء آخر هو بالفعل، لأن النزوعي بالقوة فقط. فقد يظن أن القول فيها لم ينقض في الكون والفساد، كما عرض ذلك في اليمين، فإن أرسطو إنما تكلم فيه في الآثار العلوية فيما لحق الجزء الكائن عن الاسطقسات، ولذلك قال في الخامسة عشرة من الحيوان أن القول في اليمين لم ينقض. وكل منفعل بل كل متحرك فهو بالفعل شيء ما، وهو بالقوة شيء آخر. فإنه لو لم يكن بالفعل شيئاً أصلاً لكانت القوة شيئاً موجوداً بالفعل، ولكان للهيولى الأولى صورة، وكان الإمكان قائماً بذاته وشيئاً قائماً بنفسه، وهذا ظاهر لمن زاول الصناعة الطبيعية أيسر مزاولة.
والمتحرك هو جوهر ما، بل هو جسم ما، لأن كل متحرك منقسم. لكن ذلك هو للمتحرك بجهة متوسطة بين ما بالذات وما بالعرض. وأرسطو بعد ذلك فيما بالعرض، فإنه إن كان بالذات بوجه ما، فليس أولاً. والمتحرك بالقوة شيء ما بالذات وأولاً، وهو متحرك من جهة ما هو بالقوة، حتى لو وجد ما بالقوة شيئاً مفارقاً للأجسام لتحرك بنفسه، وصار ذلك الشيء إما جوهراً أو كيفا أو كما أو أينا أو غير ذلك من المقولات. لكن ما بالقوة يلزمه اضطرار كما قلنا أن يكون شيئاً ما بالفعل أحد المقولات، وهذه بالقوة أحد المقولات. فليكن ما بالقوة ووما بالفعل ح وبالقوة ك. وبين، لمن مارس العلم الطبيعي أيسر ممارسة، أن ما بالقوة من جهة ما هو بالقوة ليس تحت مقولة، وإن كان ما تحت مقولة، أي مقولة كانت، فهو موجود بالفعل. فالمقولات إذن تقابل ما بالقوة كما تقابلها ما بالفعل في ح وك إذا كانا تحت مقولة واحدة ف ح وك نوعان متقابلان. فإن كان جوهرين فلا اسم لهما. لكن قد يسميهما أرسطو وأبو نصر عند الحاجة إلى ذلك متضادين إلا أن المتضادين يحتاجان إلى موضوع واحد بالفعل وليس لهذين موضوع بالفعل. وإن كانا تحت أحد أنواع المقولات التسع، فما بالقوة موجود ضرورة جوهراً، فله وجود ثالث هو به موضوع ل? ح وك. ف? ح وك إن كانا تحت الكم فهما أكثر شبهاً للمتضادين من الصنف الأول. ولذلك يقال في النمو أنه حركة وأنه تغير أكثر مما يقال في التكون. وقد شابه أنواع الكم المتضادات في نحوين: أحدهما أنهما أنواع تقترن بها إعدام مجانساتهما كما وجد ذلك في صور الجواهر.
والثاني أن لها موضوعات موجودة بالفعل قابلة لأنواع الكم، وليس لأنواع الجوهر موضوعات بل هي الموضوعات. بل أن قيل للمحرك موضوعات فبطريق التشكك. وإنما فارقت المتضادات في أن ليس لأنواع الكم طرفان محدودان ينطق عنهما، فإن أعظم الكلاب لا يمكن أن يكون له عظم الفيل، وأصغرها لا يمكن أن يكون له عظم نملة. فأنواع عظم الجواهر كثيرة مختلفة، وأطرافها غير محدودة. إلا أن يكون بالإضافة إليها، فيعرض لها تضاد كما يعرض لأطراف المزاج في الكيفية. وقد لخص ذلك في المزاج.