فأما ح وك إن كانا كيفيتين، وكانا تحت واحد من أجناس الكيفيات الأربعة، فلهما موضوع موجود بالفعل، ويقترن بكل واحد من أنواع الجنسين عدم مجانساته، وفيهما نوعان طرفان لا بالإضافة بل بالإطلاق. ولا يمكن أن يوجد نوع أبعد من ذلك الطرف من مقابلة، وليس كذلك فيما هو كم. فليكن أصغر عظم، وهو الكلب مثلاً، عليه أ، وأعظم عظم عليه ح، وإنما وجد في أب وح? ود، فكل نوع من الكم يوجد في الكلب فهو أقرب من ح من عظم أمن د، وليس يوجد عظم أبعد من أمن د، ولو وجد ذلك لكان كلباً أصغر من د، وهذا لا يمكن. لكن إن فرضنا أحجراً فقد يوجد فيه أصغر من د، وليكن هـ? فعظم د أقرب إلى أمن هـ?. ف د ليس طرفاً في م إلا إذا كان م هو كلياً فهو نوع من الجواهر. فعظم أود ليس طرفين بالإضافة إلى الموضوع الأول الذي هو بالقوة، وهو الهيولى على التحقيق وبالذات، بل هما طرفان بالإضافة إلى الكلب، والكلب ليس بهيولي بل يجري مجراها، لكن جزاء من أجزائه هو هيولي. وأ وح ليسا طرفين من جهة إضافة لحقتهما فليسا إذن طرفين في الوجود، فإن كان شيء يوجد له أمر ما من جهة ما هو ذلك الشيء، فهو له في الوجود. وما كان يوجد فيه بحال ما، وكان ذلك الشيء يوجد ليس له تلك الحال، فليس يقال أنه كذلك في الوجود، بل أن كان له في الوجود فعلى طريق النسبة. وأيضاً فإن ح وك، إن كانا ليس تحت مقولة واحدة، فيمكن ضرورة أن يكون ح وك، وإلا كان د عدماً، ولم يكن شيئاً موجوداً. فغن كان لا يمكن ذلك، فليس ك وح أحدهما موضوع للآخر إلا كما يقال أن البر بالقوة بارد، لأن البر لا يلزم الحار في الماء وتلخيص هذه وإحصاؤها سهل لمن أراد ذلك، ونحن نكتفي بهذا التلخيص على طريق الرسم.
فالمتقابلات كلها إذا كانت في موضوعاتها فيلزمها ضرورة فيها إعدام مقابلاتها. والإعدام أصناف، فمنها عدم الجوهر وعدم الكم وعدم الكيف. ولست أقول أن الجوهر يعدم أصلاً ولا الكم. فإن كان شيء ما ليس بكم كالعقل، فإن هذا سلب وليس بعدم. وقد لخص أبو نصر النحو الذي به يقال له عدم. والعدم ينسب إلى المقولة على نحوين: منها سلبها، كقولنا: السماء لا ثقيلة ولا خفيفة. ومنها رفع سلب نوع نوع منها عن موضوع يمكن أن يوجد فيه ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من الأول، ثم يقال بعد ذلك النوع، وهذا أحق باسم العدم من الأول. ثم كتاب قاطاغورياس. وهذا النحو الثاني الذي ذكرناه هو الذي يذكره أبو نصر ويقول: أرسطو يعد عدم كل مقولة فيها، فعدم الجوهر في مقولة الجوهر، وعدم الكم في مقولة الكم.
وبين بأيسر تأمل لمن زاول الصناعة الطبيعية أن المادة الأولى لا يمكن فيها أن نعرى من بعض المقولات حتى لا يكون فيها نوع واحد منها فأول ذلك الجوهر، وذلك مما تبين في الأولى من السماع الطبيعي، إذ لو عريت عنه لكانت المادة الأولى ذات صورة. ويليه الكم فإنه لوا جوهر واحداً هو، لأنه ليس بجسم، فما أبعد من ألف العظم مما لا ينقسم، فإنه إن كان كذلك وجد جوهر لا كم له وهذا محال. وقد تبين في أول السادسة من السماع ويتبين بياناً أكثر عند التأمل. ويجب أن تعلم أن العظم يقال على المستدير والمستقيم بتشكيك، وإن العظم المستدير ما كان له مركز، وقد لخصنا ذلك في تفسير معاني السابعة من السماع الطبيعي، ثم بعد ذلك في الهيولى جنس الكيف الانفعالي كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، ولذلك كل جوهر هيولاني فهو جسم. والجسم يقال بتشكيك على المتحرك باستدارة، وعلى المتحرك باستقامة، وهيولاهما ليست واحدة بالنوع، كما صورهما، بل تتناسب تناسب الصور. والمادة التي تقبل الحركة على الاستقامة هي الهيولى على التقديم، فأما التي تقبل الحركة المستديرة فهي أبداً موضوع، وليست بهيولى ولا مادة، بل إنما يقال لها هيولى ومادة بالمناسبة، كما يقال هذه موضوع بالشبه والمناسبة. فالهيولى الأولى لا تخلو من جنس الكيفية الإنفعالية، ولا يمكن تعريها منها، ولذلك إذا أراد أرسطو أن يدل على جميعها يقول كل جسم ملموس. وكذلك كيفية الكم الذي هو الشكل والصورة، وكذلك الأين، وكذلك الوضع، وكذلك المتى، وكذلك الإضافة. فهذه المقولات التسع بين من أمرها أن الهيولى الأولى لا تعري منها، لكن بعضها أبين من بعض.
فأما الفعل والانفعال فقد تشكك فيه، لكن إذا تعقب أمره ظهر أنه كذلك.