للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما مقولة له فإنها توجد لذي النفس، وقد يوجد في الجمادات ما يظن به أنه له، غير أنه إذا تعقب أمره ظهر أنه ليس تحت هذه المقولة. وكذلك اللون فقد يظن ببعض الأجسام أنها غير ذات لون كالهواء والزجاج، وأبين من ذلك الطعوم والروائح والمذاقات، فإن موضوعها قد يخلو من جميع أنواعها. لكن وإن كان ذلك فليست هذه موجودة للجوهر بذاته أولا، بل إنما توجد ثانياً، وبعد أن تتقدمها في الموضوع موجودات شتى تحت مقولة أخرى، وكأن هذه وإن لم تكن أنواعاً لتلك فهي كالأنواع. مثال ذلك الطعوم، فإنها وإن لم تكن أنواعاً للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فليست خارجة عنها لأنها حرارة لحقها أمر آخر صارت به تلك الحرارة نوعاً لجنس آخر، كما عرض في القول في الأكر المتحركة، فإن النظر فيها ليس هندسيا متأتياً للنظر الهندسي بل هو واقع تحت النظر الهندسي. وقد لخصنا ذلك في أقاويلنا في النفس.

وقد تلخص ما قلناه على نحو آخر وهو أن كل جسم فهو مؤلف من صورة وموضوع. وموضوع الأجسام السرمدية يخص بالموضوع، وموضوع الكائن الفاسد يقال له هيولى ومادة وما شاكل هذه الأشياء وكل جسم فاسد فهو أسطقس أو مؤلف من اسطقسين فزائداً. وكل مركب من أشياء ففيه ما لتلك الأشياء، فالأشياء اللازمة للاسطقسات هي لازمة لكل جسم هيولاني، والأشياء اللازمة للاسطقسات من المقولات هي أنها جواهر، وإنها ذوات إعظام، وإنها ذوات كيفيات انفعالية، وإنها ذوات أوضاع وأيون، وإن لها متى، وإنها مضافات، وإنها تفعل وتنفعل. وكل جسم ففيه هذه الأجناس من المقولات ضرورة، وأما سائر ما يوجد للأجسام الهيولانية فهي راجعة إلى هذه. مثال ذل الخشونة والقحل والصلابة واللين والملاسة، فأما سائر ما يوجد للأجسام الهيولانية فهي راجعة إلى هذه مقال ذلك. فإنها ضروب من الرطوبة واليبوسة، فإن اليبوسة إذا لحقها عارض صارت خشونة وقحلا، ومن الرطوبة تكون الملاسة واللين، وقد ذكر ذلك أرسطو في الثانية من الكون والفساد. وكذلك الطعم والرائحة فإن هذين الجنسين منهما في الثانية من الكون والفساد. وكذلك الطعم والرائحة فإن هذين الجنسين منهما الرطوبة واليبوسة كالهيولى، وأما الألوان فالقول فيها قول آخر. وإذا تعقب الأمر فيها ظهر أن هذا الجنس يوجد للإسطقسات، واستقصاء ذلك في غير هذا الموضع.

وقد تبين في السابعة من السماع أن الاستحالة إنما تكون في المحسوسات، فليقف من شاء على ذلك من كلام أرسطو هنالك، ومما قاله المفسرون فيه. فالفعل والانفعال إنما هما في الكيفيات الأولى وهي التي بها يكون الكون والفساد، وهي الأربعة. وقد عددت في مواضع كثيرة.

وقد بينا نحن في مواضع غير هذه أن القوى تقال باشتراك على المنفعلة وعلى الفاعلة، ورسمنا كل واحد من هذين الجنسين، فالقوى الفاعلة هي ضرورة موجودة وإنها تقترن بموجود بالقوة، والقوى المنفعلة تصير ضرورة موجوداً، وتصير شيئاً ما مشاراً إليه بعد أن كانت غير موجودة لكنها تقترن بموجود. والحركة في المكان تناسب الانفعال، ولا فرق بينهما فيما نريد أن نقوله.

<<  <   >  >>