وإذا تأملنا كل واحد من هذه الأربعة، التي هي الصورة والمادة والفاعل والغاية، تنزل كل واحد من هذه منزلة الشيء، ونشأ تشوق إلى الوقوف على أسبابه. وهذا لا يمر إلى غير نهاية فسنصل إلى مادة لا مادة لها أصلاً، وإذا وقفنا على مادة لا مادة لها لم ينشأ تشوق وكف هذا التشوق ولم يوجد. فإذا هذا التشوق إنما كان من أجل هذا السبب، فهذا السبب له إلينا نسبة طبيعية. لأنا متى لم نجده كان تشوق، فوجود هذا هو الغاية التي إليها تتحرك بهذا التشوق إنما كان من أجل هذا السبب، فهذا السبب له إلينا نسبة طبيعية. لأنا متى لم نجد كان تشوق، فوجود هذا هو الغاية التي إليها نتحرك بهذا التشوق. وكذلك متى وصلنا إلى فاعل لا فاعل له أصلاً كف هذا التشوق، فإذن ذلك الفاعل كان لمتشوق بالطبع. وكذلك إذا وصلنا إلى صورة ليست أصلاً متصورة بغيرها كف أيضاً ذلك التشوق. وكذلك في الغاية القصوى إذا وصلنا إليها كف ذلك التشوق.
لكن إذا كف تشوق واحد، كتشوق الهيولى، فهل ينزل منزلة الأوساط فتكون فيها التشوقات الثلاثة أم لا يكون فيها تشوق أصلاً. فإن لم يكن كذلك فأي التشوقات يبقى وأيها يذهب، وهل كلها كذلك أو بعضها، وما نسبة التشوقات الطبيعية بعضها من بعض، فنقول: إن التشوق الذي يكمل بذلك السبب، فليس يمكن أن يكون فيه، فإنه لو كان فيه لم يكن ذلك السبب أولاً. فأما أنه يمكن أن ينشأ فيه موضع سؤال، فذلك ممكن في بعضه. أما وجود المادة فينقطع عنه بذاته أولاً التشوق إلى وجود السبب والذي على طريق المادة، وينقطع عنه بالقصد الثاني السؤال بما، لأنها غير ذات صورة كما تبين في الأولى من السماع الطبيعي، فإنها إن كانت ذات صورة فهناك مادة أقدم، ولذلك ينقطع عنه من ذلك السؤال عن الفاعل، لأن كل ما ليس بذي صورة فليس هناك محرك ولا ما يجري مجراه. وأما السبب الذي على طريق الغاية فلم ينقطع عنه، فإنه لو انقطع عنه لكان موجوداً بنفسه، وهو إنما هو موجود بالفعل، فكيف يكون موجوداً على أن وجوده ذاته، فهذا السبب يبقى دائماً. وكذلك الفاعل والمحرك يح? فإن الواجب أن ننتهي إلى فاعل لا مادة له، لأنه إن كان ذلك مادة لزم هناك أن يكون فاعلاً أو ما يجري مجراه، وهو الذي به صارت هذه الصورة في المادة، سواء كان ذلك تكوناً أو وجوداً كصور الأجرام المستديرة في موادها. وكذلك الغاية لأنها إن كانت صورة في مادة لزم أن تكون هناك الأربعة، فصارت غير غاية قصوى. فإما الصورة فليس يلزم فيها ذلك من هذا الوجه أولاً، فإنه إن وضعناها في مادة لم يلزم عنها ضرورة أن لا تكون صورة قصوى، بل يلزم عنها أن تكون لها غاية ومحرك، وهو السبب الذي به تكون الصور من الهيولى. لكن إن نحن نظرنا إلى الغاية، فإن كانت غير الصورة، فهي خارجة عنها، ففي الصورة جزءان أحدهما أكمل من الآخر، والأكمل هو صورة، فلم تكن صورة قصوى. ولننزل الأمر على أن الصورة القصوى ليست في مادة.
فهذه إذن هي مبادئ التشوقات، فإن كانت الصورة والغاية والفاعل واحد بالموضوع كثيرة بالقول، فذلك المطلوب الطبيعي بهذه القوة النظرية التي لنا بالطبع.
لكن قد توجد هنا تشوقات أخر غير هذه، وهو تشوقنا الذي يدل عليه حرف هل. وهذا التشوق قد يتقدم في الزمان السؤال بما، ولكن ذلك بالعرض، لأنا إنما نسأل بهل بعد أن يكون الشيء عندنا متصوراً بوجه ما، وأنه معنى ما معقول، ثم نطلب هل هو موجود أم لا. وهذا السؤال إنما يكون فيما لم يعطيناه الطبع، وفيما هو ليس لنا معلوم بالطبع. فإذا صار في حال التصورات الطبيعية، صارت له التشوقات الأربعة. فالسؤال بهل هو موجود، هو لنا بالحال التي لنا من غير الطبع، وإنما هو طبيعي بوجه آخر. فإن السؤال بهل هو إذا كان القضية المقرون بها حرف هل إنما هو ليصير به ذلك الموضوع في الحال التي من التصورات الطبيعية، وبينا أنا قد عرفنا ما الذي دل عليه بذلك القول.
ويتبين في كل أمر طبيعي أن له إلى أذهاننا نسبتين: إحداهما كالمادة، وهو أن يكون متصوراً مطلقاً.