القوة المتخيلة الموجودة في الإنسان بالفعل، هي القوة التي يجدها الإنسان في نفسه، يرسم فيها رسوم المحسوسات، ويتصور بها ويحضر الإنسان فيها رسوماً من المحسوسات متخيلة بعد غيبتها عن الحواس، فيرى الإنسان فيها صفة زيد وعمرو وصفة داره ودابته وغير ذلك من المحسوسات المشار إليها، ويكون هذا الفعل من القوة المتخيلة في اليقظة والنوم.
وهي التي تركب صوراً من المتخيلات لم يحس بها، بعضها صادقة مثل تخيلنا زيداً في وضع كذا أو صفة كذا إذا كان كذلك. وبعضها كاذبة إذا تخيلنا زيداً بصفة كذا أو في موضع كذا وليس هو كذلك، ومثل تخيلنا عنزاً برأس إبل أو براس فرس أو غير ذلك من الأمور المخيلة الكاذبة.
وقد تركب وتتخيل أمراً ليس بشخص يحمل على أكثر من شخص واحد، فتحاكي صفة المعنى وتتخيله صنماً يعم أكثر من الواحد، ولا يعم كل ما يقال عليه المعنى، فتحاكي الإنسان وتتخيله فيها منتصب القامة ذا لحم وعظم متغذياً حساساً. لكن تتخيل الإنسان بمقدار ما، ولذلك لا يعم ذلك المتخيل كل إنسان. وللعقل في هذا التخيل فعل ما.
وإذا تأمل الإنسان جميع ما ذكرته في نفسه وجد القوة المخيلة في نفسه على ما ذكرته لا شك فيه ولا في وجودها. وكذلك وجود القوة الناطقة يجدها الإنسان في نفسه، ويعلمها علماً يقيناً لا يشك فيه بشيء من التثبت. وذلك أنا نجد في أنفسنا ما نتميز به ونفصل عن سائر الحيوان المتغذي الحساس، فإن الإنسان يجد في نفسه معلومات تحتوني على ميز الجميل والقبيح والنافع والضار يحوزها ويميزها، ويجد في نفسه أموراً يرى صدقها لا شك فيه، وأموراً هي على ظن، وأموراً هي كذب لا يجوز في الوجود. كل هذه المعلومات يجدها الإنسان في نفسه.
وهذه المعاني المعلومة في النفس تسمى نطقاً، وما يوجد في الإنسان يسمى ناطقاً. والنطق يقال على القوة الناطقة بالقوة التي شأنها أن توجد فيها هذه المعلومات، لأن الإنسان يوجد وليس فيه هذه القوة، وثم يقبلها، فتكون فيه بعد أن لم تكن، فقبل أن يقبلها له قوة شأنها أن تقبلها ليست في الفرس ولا في الحجر. ويقال أيضاً نطق على هذه المعلومات إذا كانت بالفعل موجودة بالقوة التي شأنها أن تقبلها، ويقال نطق على الألفاظ حين نعبر بها عن هذه المعلومات الحاصلة بالفعل. وكل هذا بين بنفسه بأدنى تأمل.
وهذه المعلومات الحاصلة بالقوة الناطقة بالفعل متى أخذت بالإضافة إلى الأشياء المأخوذة عنها سميت علماً، لأنها علم بها، ويه التي عرفتها، ومتى أخذت من حيث أدركتها قوة توصف بها، وتحمل على موضوعاتها المأخوذة عنها، سميت معقولات. ومتى أخذت من حيث أدركتها القوة الناطقة، وكملت بها، وخرجت بها من القوة إلى الفعل سميت عقلاً.