للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من السماء ماء فيحيي به الارض بعد موتها قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١) .

فما جاء به القرآن الكريم من شانه ان يكون شفاء لقلوب الملايين من المحرومين الذين يطلبون رحمة الله ويبتغون ثوابه , وينظرون الى الناس نظر رحمة وشفقة, ويسعون الى انقاذ الملايين وتعليمهم, والاحسان اليهم, فهم لايحسدون, ولا يستكبرون, ولا يتطاولون على عباد الله, لانهم ينتظرون من الله جل وعلا الرحمة, ويعلمون ان الله قد قسم بين العباد ارزاقهم بحكمة ورحمة, وقد جاء في الذكر الحكيم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (٢)

[صلاح الانسان يكسبه رحمة الله]

ان ايمان الانسان وصلاحه ينال بهما الرحمة من الله, والمحبة من الناس, والتوفيق في العمل, وتوصله الرحمة الى الجنة, وتبعده عن النار, وفي الذكر الحكيم: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٣) فتقوى الانسان وصلاحه وصلاته وزكاته واتباعه لهدي محمد عليه الصلاة والسلام تكسبه رحمة الله قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٤)

فوائد الرحمة وضرر القسوة والجفوة

للرحمة فوائد جمة ومنافع عظيمة, بها تنصلح احوال البشرية وتستقيم امورهم, ونلخص بعضا من هذه الفوائد في النقاط التالية:

١. ان رحمة الانسان للناس تكون سببا لرحمة الله له فمن يرحم الناس يرحمه الله, وقد كان خُلقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشريعته كلها رفقا ورحمة، وروي عنه أنه قال في الحث على الرحمة: (الراحمون يرحمهم الرحمن) (٥) . وهذا يفيد أن الإنسان الذي يرحم الناس ويرحم الصغير ويتحلى بالرحمة في سلوكه وأدبه ومع أهله وولده أهلٌ لأن يرحمه الله جل وعلا، وقد روى البخاري في الأدب المفرد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ارحموا أهل الأرض يرحمْكم من في السماء) (٦) روي: (يرحمُكم) مرفوعاً على الاستئناف البياني,

٢.


(١) - سورة الروم الاية (٤٧-٥٠) .
(٢) - سورة الزخرف الاية (٣٢) .
(٣) - سورة الانبياء الاية (٨٦) .
(٤) - سورة الاعراف الاية (١٥٦-١٥٧) .
(٥) - أخرجه الإمام أحمد في المسند، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حديث (٢٤٤٣٠) .
(٦) - أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في الرحمة، حديث (٤٩٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>