للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاسمين مشتقان من الرحمة, الا ان اسم الله (الرحمن) يدل انه ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الاخرة, فخص المؤمنين باسمه الرحيم فقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (١) وقيل أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان الأول للوصف والثاني للفعل, فالأول دال أن الرحمة صفته والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته (٢) . وقيل اسم الرحمن مختص بالله تعالى, وقال ابن عباس في قوله تعالى (هل تعلم له سميا) قال لم يسمى الرحمن غيره. واكثر العلما على ان الرحمن مختص بالله عز وجل ولا يجوز ان يسمى به غيره, قال تعال: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} (٣) وقال: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (٤) فاخبر ان الرحمن هو المستحق للعبادة عز وجل, وقد قيل في اسمه (الرحمن) اسم الله الاعظم. (٥) وقال ابن كثير: والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيره، ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولا إنما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص. (٦)

[ثمرة معرفة اسم الله الرحمن الرحيم وفائدته]

اذا عرف المكلف ان الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء, وعمت كل حي, وان رحمته سبحانه وتعالى وسعت الخلق في ارزاقهم, ومعائشهم, ومصالحهم, وانه سبحانه وتعالى برحمته ارسل الينا رسله وهدانا من الضلالة وبصرنا من العمى, وعلمنا مالم نكن نعلم, وبرحمته سخر الليل والنهار وسخر الشمس والقمر والنجوم, واسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة, وجب عليه ان يؤمن به, وان يفرده بالعبودية, ويشكر له النعمة, وان يسأل من ربه الرحمة, فرحمة الله واسعة, وربه رحيم, سبغت رحمته غضبه كما في الحديث النبوي (ان رحمتي سبقت غضبي) (٧) وهذا الحديث موافق لقوله تعالى {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} (٨) وجاء في حديث (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ) (٩) وفي رواية (إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (١٠) ومن ثمرة معرفة اسم الله الرحيم ان يكون المرء راحما لعباد الله محسنا اليهم مطيعا لله فيما امر


(١) - سورة الاحزاب الاية (٤٣) .
(٢) - بدائع الفوائد لابن القيم ص٢٨.
(٣) - سورة الاسراء الاية (١١٠) .
(٤) - سورة الزخرف الاية (٤٥) .
(٥) - الاسنى للقرطبي, ص٤٧٧.
(٦) - ابن كثير ج١ ص١٢٦.
(٧) - البخاري حديث رقم (٦٨٧٢) .
(٨) - سورة الانعام الاية (٥٤) .
(٩) - البخاري حديث رقم (٥٩٨٨) .
(١٠) - مسلم حديث رقم (٤٩٤٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>