للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بأسماء الله وصفاته]

إن الإيمان بأسماء الله وصفاته هو أعظم المطالب وأهمها, وإذا كان الله قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً للوصول إليه فقد جعل للإيمان أسباباً تجلبه وتقويه كما كان له أسبابٌ تضعفه وتوهيه, ومن أعظم ما يقوي الإيمان ويجلبه معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله العزيز وسنة رسوله الكريم والحرص على تفهم معانيها والتعبد لله بها وفي الذكر الحكيم: {وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (١) .

وجاء في السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (٢) , أي من حفظها, وفهم معانيها ومدلولها, وأثنى على الله بها, وسأله بها واعتقدها دخل الجنة, والجنة لا يدخلها إلا المؤمن, فاعلم أن ذلك أعظم ينبوع, ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته, ومعرفة الأسماء الحسنى -بمراتبها الثلاث: إحصاء ألفاظها وعددها, وفهم معانيها ومدلولها, ودعاء الله بها, دعاء الثناء والعبادة ودعاء المسألة- هي أصل الإيمان والإيمان يرجع إليها, لأن معرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات, وهذه الأنواع هي روح الإيمان وأصله وغايته, فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه, فينبغي للمؤمن أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله, من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تحريف ولا تكييف. (٣) وعدم العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها قال تعالى: {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} أي يميلون بها ويعدلون بها عن معانيها مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادة "لحد", فمنه اللحد: وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط, ومنه الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل.

قال ابن السكيت: المُلْحِدُ العادِلُ عن الحق المُدْخِلُ فيه ما ليس فيه يقال قد أَلحَدَ في الدين ولحَدَ أَي حاد عنه وقرئ لسان الذي يَلْحَدون إِليه (٤) .

وأسماء الله كلها حسنى وكلها تدل على الكمال المطلق والحمد المطلق, وهي توقيفية لا مجال للعقل فيها, وعلى هذا فيجب الوقوف على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد ولا ينقص, قال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (٥) , وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (٦) , فتسميته جل وعلا بما لم يسمِّ نفسه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه سبحانه وتعالى, فوجب سلوك الأدب في


(١) - سورة الأعراف الآية (١٨٠) .
(٢) - صحيح البخاري باب ان لله مائة اسم إلا واحد حديث (٦٩٥٧) .
(٣) - انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك بعبد وإياك نستعين لابن القيم, ج٣ص١٧ , والتوضيح والبيان لشجرة الإيمان لعبد الرحمن بن ناصر السعدي , ص٣٩ , وبدائع الفوائد لابن القيم ج١ص١٦٤ , وشرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب السنة ص٤و٥.
(٤) - لسان العرب ج٣ص٣٨٨.
(٥) - سورة الإسراء الآية (٣٦) .
(٦) - سورة الأعراف الآية (٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>