للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحق أن إرشاد الحر أو لومه ليس فيه غضاضة عليه, وأن أحذق الناس من يلوم نفسه قبل أن يلومه الناس, وقد أقسم الله في القرآن بالنفس التي تلوم صاحبها على عصيانه وعلى تقصيره في جنب الله تعالى وتستغفره بعد ذلك وتتوب إليه قال تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (١) , أما امرأة عزيز مصر فإنها حين لامتها النساء في مراودتها ليوسف عليه السلام دعت يوسف عليه السلام وقالت: {اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ} كما حكا ذلك سبحانه وتعالى في القرآن: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ} (٢) , فإذا نُصحَ الحر وأبى فقد هلك, وقد خاطب الله جل وعلا رسوله بعد أن بلغ الرسالة واعرض عنها من أعرض بقوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (٣) .

[الحر لا يريق ماء وجهه]

إن الحر لا يريق ماء وجهه بل يحفظه, وفي حفظ ماء الوجه صون النفس عن الابتذال والسرف, ويرحم الله علي بن الجهم حيث يقول:

أقلي فإن اللوم أشكل واضحه ... وكم من نصيح لا تمل نصائحه

متى هان حر لم يرق ماء وجهه ... ولم تجتبر يوماً بردٍ صَفَائحهُ (٤)


(١) - سورة القيامة الآية (٢) .
(٢) - سورة يوسف الآيتان (٣١و٣٢) .
(٣) - سورة الذاريات الآيتان (٥٤و٥٥) .
(٤) - ديوان علي بن الجهم بن بدر، أبو الحسن، (١٨٨-٢٤٩هـ/٨٠٣-٨٦٣م) من بني سامة، من لؤي بن غالب, شاعر, رقيق الشعر، أديب، من أهل بغداد كان معاصراً لأبي تمام، وخص بالمتوكل العباسي، ثم غضب عليه فنفاه إلى خراسان، فأقام مدة، وانتقل إلى حلب، ثم خرج منها بجماعة يريد الغزو، فاعترضه فرسان بني كلب، فقاتلهم وجرح ومات. انظر: ص٨٥ من ديوانه, الناشر: دار صادر بيروت الطبعة الثالثة ١٩٩٦م.

<<  <  ج: ص:  >  >>