للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال اخر:

طَرِيقَتُنَا الإيثارُ والبذلُ دائِماً ... بلا ريبَةٍ واللهُ أَغنى وأَكرَمُ (١)

اما جميل صدقي فهو يقول.

كسب الَّذي قد كانَ يؤثر غيره ... حَمداً فكانَ لِنفسه الإيثار

[الايثار في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اساس في بناء الدولة الاسلامية]

ان الايثار الذي تحلى به اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعد مثلا اعلى وطريقا يحتذا, فقد رسم للانسانيه معاني الحب والكرم والاخلاص الذي تتمازج به الارواح وتتصافح به القلوب والذي اسس لبناء مجتمع فاضل, ودولة عادلة ملأت الافاق وعم نورها البسيطة, وكان للانصار رضي الله عنهم قصب السبق ومستحق الثناء فقد تبوأوا الدار والايمان, واحبوا المهاجرين, فكان ايثارهم قائماً على الود الصريح, والفهم الصحيح, فكانوا من شدة إيثارهم لإخوانهم المهاجرين يعرض الواحد منهم على أخيه المهاجر أنْ يُطلِّق له إحدى زوجاته ليتزوجها، وهذا لوْن من الإيثار لم يشهده تاريخ البشرية كلها؛ لأن الإنسان يجود على صديقه بأغلى ما في حوزته وملكه إلا مسألة المرأة، فما فعله هؤلاء الصحابة لونٌ فريد من الإيثار. وحين آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار هذه المؤاخاة اقتضت أنْ يرث المهاجر أخاه الأنصارى، فلما أعزَّ الله الإسلام، ووجد المهاجرون سبيلاً للعيش أراد الحق سبحانه أنْ تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، فلم تَعُدْ هناك ضرورة لأنْ يرث المهاجر أخاه الأنصاري (٢) .

فاذا عاد المسلمون الى سابق عهدهم عاد مجدهم وعلا شانهم واتحدت كلمتهم ورضي ربهم وقرب نصرهم ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم.

[ايثار الحياة الدنيا على الاخرة]

ان الله سبحانه وتعالى خلق الدنيا حلوة حضرة ياكل منها البر والفاجر, ويعيش فيها المجنون والعاقل, من عمرها بالعمل الصالح اطاع ربه, وطاب عيشه, وسعد وقته, وحسن معاده, وكانت التقوى زاده, والى الجنة ايابه, ومن اثرها وتعدى وبخل واعتدى, واختال وتجبر, وتغافل واغتر, وظلم وتكبر, ونسي الله العلي الاكبر, كان من الهالكين, وفي الاخرة من المعذبين, وفي الذكر الحكيم: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} (٣) فالعاقل لا يغتر بالدنيا وزهرتها وحسنها وبهجتها ولا يشغله ذلك عن عبادة الله وعن العمل الصالح, وايثار الحياة الباقية بالاعمال الصالحة, والاخلاق الحسنة, وحسن التعامل مع الناس, فان ذلك يورث الحياة الباقية والنعم الدائمة, اما هذه الحياة وان عظم في عينك متاعها ونعيمها, وعمرانها وقصورها فان كل ذلك يصير الى الزوال, وتذهب بهجة الحياة, وتبيد حضرتها, فلا يبقى رئيس متكبر مؤمر, ولا


(١) - هذا البيت لبهاء الدين الرواس.
(٢) - تفسير الشعراوي ج١ ص ٧٤٢٧.
(٣) - سورة الذاريات الايات (٣٧-٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>