للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاخلاص تسبقه النية]

لما كانت الاعمال الخالصة لله وحده لابد لها من سابق نية وعزم نجد الاسلام يهتم بالنية هذه, ويجعلها محورا تدور عليه اعمال المؤمن, ففي الحديث النبوي (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) (١) والنية محلها القلب في كل موضع, لان حقيقتها القصد مطلقا. وقيل: المقارن للفعل. وذلك عبارة عن فعل القلب. قال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع او دفع ضر. حالا او مآلا, والشرع خصصه بالارادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاالله تعالى, وامتثال حكمه (٢) . ولله در القائل:

من اخلص النيات كان لقوله ... وقع وكان لفعله تاثير

واما ابو نواس فهو يقول:

فَإِذا نَزَعت عَنِ الغَوايَةِ فَليَكُن ... لِلَّهِ ذاكَ النَزعُ لا لِلناسِ

[النية الطيبة عنصر من عناصر التربية الخلقية]

تعتبر النية الطيبة عنصراً من عناصر التربية الخلقية التي تجعل الانسان عضوا ممتازا في المجموعة الانسانية, وقد جعلها الاسلام الاصل في قبول الاعمال عند الله خالصة له, وله بذلك السبق بان اعلنها قبل ان يعلنها (عما نويل كانت) فيلسوف الاخلاق الالماني اذ قال: ان حسن النية هو الكل في الكل في الاخلاق. قلت وذلك ما افهمه حديث انما الاعمال بالنيات, فالقاعدة الفقهية (الامور بمقاصدها) والسنة النبوية تقرر انه لا عمل لمن لانية له, وفي السنة النبوية: وَرُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (٣) . وفي سنن ابن ماجة (إِنَّمَا يُبْعَثُ النَّاسُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) (٤) وفي الحديث: (ان الله يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ) (٥) , وعند النسائي من حديث ابي ذر (مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى) (٦) فالخير في الاسلام ليس خيرا الا اذا كان عن نية طيبة خالصة لوجه الله, والعمل الطيب ليس طيبا الا اذا استنار باوامره, ولا شك ان هذا مذهب جليل في تقدير الرجال والاعمال يصحح الاوضاع, ويسمو بالمجتمع الى مستوى رفيع من الكمال إذ يجعل الاقوال والاعمال منوطة بغاية واحدة ومثل اعلا هو الله فلا يحب المؤمن ولا يبغض ولا يفعل ولا يترك الا لله والله لا يامر الا بما كان خيرا للشخص وللمجموعة الانسانة (٧) , ويرحم الله الامير الصنعاني حيث يقول:


(١) - البخاري في صحيحه حديث رقم (١) .
(٢) - الاشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية, تاليف الامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي, ص٣٠, المتوفى سنة ٩١١هـ, الناشر دار الكتب العلمبة بيروت لبنان الطبعة الاولى ١٣٩٩هـ ١٩٧٩م.
(٣) - غاية المقصد في زوائد المسند باب رب قتيل بين الصفين ج١ ص ٣٤٩٢.
(٤) - ابن ماجة في سننه (٤٢١٩) .
(٥) - ابو داود في سننه حديث رقم (٢١٥٢) , والنسائي حديث رقم (٣٥٢٢) .
(٦) - النسائي في سننه حديث رقم (١٧٦٥) .
(٧) - روح الدين الاسلامي ص١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>