للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقديماً قيل: "إن يكن الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة". وقال الشاعر:

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ... ندمت على التفريط في زمن البذر

وفي الحديث النبوي: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) (١) .

[الحرفة أو الصنعة ضرورة]

إن عمل الإنسان اليومي يعد ضرورةً لكسب الرزق, واستمرار الحياة, ومن المروءة أن يسعى الإنسان للتكسب على نفسه ومن يعول, واتخاذ حرفة أو صنعة أو وظيفية يعمل فيها المرء, فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحترفون العمل, فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعمل قبل توليه الخلافة تاجراً، وكان خَبَّاب بن الأَرت حداداً، وعبد الله بن مسعود راعياً، وسعد بن أبي وقاص صانع نعال، وبلال ابن رباح خادماً، والزبير بن العوام خياطاً، وسلمان الفارسي حلاقاً، وروي أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقى بالدلاء على تمرات، فالعمل شرف وعزة مهما رآه البعض وضيعاً, فقد روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره؛ خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه) (٢) , وقد روى الطبراني في الكبير والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله يُحِبُّ العَبْدَ المُؤْمِنَ المُحْتَرِفَ) (٣) .

وقال أبو العتاهية:

وَلَيسَ عَلى عَبدٍ تَقِيٍّ نَقيصَةٌ ... إِذا صَحَّحَ التَقوى وَإِن حاكَ أَو حَجَم

وقال آخر:

يا بارئ القوس برياً ليس يحسنه ... لا تظلم القوس اعط القوس باريها

فاحترام التخصص واتخاذ حرفة بعينها أو وظيفة بعينها سبب في اتقان العمل, واحكام الصنعة, قال الشاعر:

وَكفّ فَتىً لم يَعرفِ السَّلخَ قَبلها ... تَجورُ يَداهُ في الإِهابِ وَتَخرُجُ

وسأل معاوية رجلاً من عبد القيس: ما تعدون المروءة فيكم؟ قال: الحرفة والعفة, وكان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلى رجل سأله: أله حرفة؟ فإذا قال: لا, سقط من عينه, ونظر عمر رضي الله عنه إلى أبي رافع وهو يقرأ ويصوغ, فقال: يا أبا رافع أنت خير مني تؤدي حق الله تعالى وحق مواليك, وقيل لأعرابي ينسج: ألا تستحيي أن تكون نساجاً؟ قال: إنما أستحيي أن أكون أخرق لا أنفع أهلي, وحرفة يقال فيها خير من مسألة الناس, وقيل: إن الله يحب التاجر الصدوق, والصانع الناصح لأنه حكيم. (٤)

أصناف الصناعات

إن التصنيع يعتبر حجر الزاوية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في شتى المجالات, ولهذا تتعدد أنواع الصناعات, فمن صناعة


(١) - أخرجه البخاري في صحيحه باب بدء الوحي حديث (١) .
(٢) - صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف من المسألة، حديث (١١٠٤) , وأورده احمد في مسنده، مسند أبي هريرة، حديث (٧٣١٥) .
(٣) - أورده الإمام السيوطي في جامع الأحاديث والمراسيل، حديث (٥٥٧٠) , وأورده محمد بن سلامة بن شهاب القضاعي في مسنده، باب إن الله يحب المؤمن المحترف، حديث (١٠٧٢) الناشر مؤسسة الرسالة, وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب البيوع، باب الكسب والتجارة، حديث (١٣٢٦) , ورواه الطبراني والبهقي والحكيم من حديث ابن عمر- وأورده النبهاني في الفتح الكبير في ضم الزيادات إلى الجامع الصغير, ج١ص٣١٢, طبعة١٣٥٠هـ.
(٤) - محاضرات الأدباء ص١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>