للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولله در القائل:

ولو أنني خيرت كل فضيلة ... ما اخترت غير مكارم الأخلاقِ

والعاقل من يحفظ على الأخلاق الفاضلة لأنها تجارة رابحة, وفي الحديث النبوي الشريف: (مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ) (١) .

في حسن الخلق التقرب إلى الرحمن, والأخذ بهدي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, وفي ذلك دليل على كمال الإيمان, وفي حسن الخلق التوسعة على الأهل والأولاد والإخوان, والإحسان إلى الجيران, والابتعاد عن خطوات الشيطان, وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق عملا أحب إلى الله منهما) (٢) , فحسن الخلق زيادة في الخير, وكسب للمعروف, وتقدم وعلو, وفي حسن الخلق نماء, وزيادة في العمر, ودليل على الشرف, ويرحم الله القائل:

أحب مكارم الأخلاق جهدي ... وأكره أن أعيب وأن أعابا

وأصفح عن سباب الناس حلماً ... وشر الناس من يهوى السبابا

[التآلف والحب بحسن الخلق]

بحسن الخلق تألف الاخوان, وطاعة الرحمن, وهو باب من أبواب الإحسان, ففي الحديث النبوي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق) ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: ... وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال: (تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك) ، ولا يخفى أن ثمرة الخلق الحسن الألفة وانقطاع الوحشة ومهما طاب المثمر طابت الثمرة، وكيف وقد ورد في الثناء على نفس الألفة سيما إذا كانت الرابطة هي التقوى والدين وحب الله من الآيات والأخبار والآثار ما فيه كفاية ومقنع، قال الله تعالى مظهراً عظيم منته على الخلق بنعمة الألفة: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (٣) وقال: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} (٤) أي بالألفة.

ويرحم الله القائل:

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه ... ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعلِ (٥)

استحباب اكتساب الأخلاق الفاضلة حتى تكون خُلقاً وطبعاً

دأب الفاضل ودينه تعلم الأخلاق الفاضلة, واكتساب الأخلاق الحسنة, فإنه لن يبلغ الإنسان ما يريده من الأخلاق الحسنة حتى يبحث عنها ويتعلمها, فالعاقل من يسعى لاكتساب علم الأخلاق التي تبحث عن معنى الخير والشر, وتبين ما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس مع بعضهم بعضاً, حتى ينير علم الأخلاق سبيله, ويكون هدفه ودينه, فهو أقوى الدعائم التي تحفظ كيان الأمم, ولهذا نرى الباحثين والفلاسفة يتفقون على ضرورة


(١) - أخرجه أبو داود في سننه باب ما جاء في حس الخلق حديث (٤١٦٦) .
(٢) - أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي ذر حديث (٧٣٠٤) .
(٣) - سورة الأنفال الآية (٦٣) .
(٤) - سورة آل عمران الآية (١٠٣) .
(٥) - البيت لمنقر بن فروة , وانظر البيان والتبيين للجاحظ ج٢ص١٠٣ , والموسوعة الشعرية ص١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>