للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصدق يرفع المرء في الدارين والكذب يهوي به في الحالين]

قال أبو حاتم رضي الله عنه: الصدق يرفع المرء في الدارين والكذب يهوي به في الحالين، ولو لم يكن في الصدق خصلة تحمد، إلا أن المرء إذا عرف به قبل كلامه عند من يسمعه، لكان الواجب على العاقل أن يبلغ مجهوده في رياضة لسانه، حتى يستقيم له على الصدق ومجانبة الكذب والعيّ في بعض الأوقات خير من النطق، لأن كل كلام أخطأ صاحبه موضعه فالعيّ خير منه (١) ، والصدق نجاة وشرف. قال الشاعر:

وَفي الحِلمِ إِدهانٌ وَفي العَفوِ دُربَةٌ ... وَفي الصِدقِ مَنجاةٌ مِنَ الشَرِّ فَاِصدُقِ (٢)

والصدق فلاح وأمان، والصدق يدعو إلى حسن الخاتمة، ويدل على سجية كاملة، وفطرة سليمة، وخليقة مستقيمة، والصدق يزيد المسلم نورا وثباتاً على الحق، والصدق يجلب محبة الله ورسوله، ومحبة الناس، والصدق يهدي إلى البر، والبر التوسع في فعل الخير، بحيث يشمل الإيمان, وإنفاق المال, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والوفاء بالعهد, والصبر الذي أرشد إليه الإسلام وجعله سبباً للفلاح والنجاح, وفي الذكر الحكيم: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (٣) ، فقد بينت الآية صفات أهل الصدق في إيمانهم وأخلاقهم، وحصرتهم بالإشارة إليهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) ، والصادق يستحق كل ثناء وإطراء، ويعد الصادق من الأخيار الأبرار، ولقد نعت الله النبيين بالصدق فقال في حق خليل الرحمن ابراهيم عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً} (٤) ، وقال في حق ادريس عليه السلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً} (٥) .

والصدق وفاء وإخلاص، وعزيمة وثبات, وفي الذكر الحكيم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (٦) ، وقد اثنا الله على نبيٍ من أنبيائه بصدقه ووفائه بوعده فقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} (٧) ، ونعت الله به نبينا فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (٨) , وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالصدق ولقب بالصادق الأمين, ليعلم الناس الصدق في إيمانهم وأخلاقهم ومعاملاتهم, لأن الصدق يكون في القول, وفي النية والإرادة, وفي العزم, وفي الوفاء, وفي العمل, فالصادق في إيمانه ناجحٌ, والصادق في تجارته رابحٌ, ولو ألقيت نظرك على أسواق العالم لوجدت أن


(١) - روضة العقلاء ص (٤٦) بتصرف يسير.
(٢) - ديوان زهير بن ابي سلمى.
(٣) - سورة البقرة (١٧٧) .
(٤) - سورة مريم (٤١) .
(٥) - سورة مريم (٥٦) .
(٦) - سورة الأحزاب (٢٣) .
(٧) - سورة مريم (٥٤) .
(٨) - سورة الزمر (٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>