للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) (١) , وفي الذكر الحكيم: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (٢) وفي سورة فاطر يقول العزيز الرحيم: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (٣) وفي سورة الانعام يقول الكريم المنان: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٤)

[الحياة تتقلب وتذهب فلا تغتر بها]

لقد خلق الله الحياة لحكمة عظيمة, ابتدأها بعلمه, وامضاها بقدرته, فما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها, وما يعطه من خير وفضل فلا راد له, يخلق مايشاء ويختار وهو العزيز الغفار, من اطاعه سلم وظفر بمراده واستعد للسفر بمائة وزاده, ومن اعرض عن ذكر ربه وفضله ندم, سنن الله في هذه الحياة قائمة على الصواب, وقوانينه قائمة على العدل والحساب, جعل الحياة مرحلة اختبار للعباد, فمن احسن العمل طاب له الحصاد ومن اختار سلوك قضاء حياته فيما ينيله السعادة ظفر بمراده, وطابت له الحياة, وفي الذكر الحكيم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٥) فمن عرف ثمار الاعمال كان حقيقا ان لايغرس مرا, ليحسن له بعد الممات ذكرا, وفي مقصورة بن دريد الازدي:

إِنَّما المَرءُ حَديثٌ بَعدَهُ ... فَكُن حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعى

وقال اخر:

كل إِلى الغايَةِ مَحثوث ... وَالمَرءُ موروث فَمَبعوث

فَكُن حَديثاً حسناً سائِراً ... بَعدَك فَالدُنيا اِحاديثُ (٦)

ومن ابصر العاقبة فآثرها ادرك السلامة وأمن من الندامة, ومن اعرض عن منهج الله في هذه الحياة خاب وخسر, وندم وعثر, ولم يترك من الذنوب الا ماعجز عنه, فهو اشر بطر, فلتحمد نفسك على ما تركت من الذنوب عجزا, فالبصير من عرف ضره من نفعه, واستفاد في يومه من امسه, واحترز من كيد الشيطان ومن نفسه. قال المتنبي:

إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ ... أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ

وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ ... بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ (٧)

وله ايضا:

كَثيرُ حَياةِ المَرءِ مِثلُ قَليلِها ... يَزولُ وَباقي عَيشِهِ مِثلُ ذاهِبِ


(١) - البخاري حديث رقم (٥٩٢٨) .
(٢) - سورة النحل الاية (٢١) .
(٣) - سورة فاطر الاية (٢٢) .
(٤) - سورة الانعام الاية (١٢٢) .
(٥) - سورة النحل الاية (٩٧) .
(٦) - هذان البيتان لصالح بن عبد القدوس.
(٧) - هذان البيتان للمتنبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>