للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن الرومي:

شهرُ الصَّيام مباركٌ لكنّما ... جُعلتْ لنا بركاتُه في طولهِ

منْ كان يألفهُ فكيف خروجُهُ ... عني بجدع الأنف قبلَ دخولهِ

إني ليعجبني تمامُ هلالهِ ... وأسرُّ بعد تمامِه بنحولهِ

شهرٌ يصدُّ المرءَ عن مشروبهِ ... مما يحلُّ له ومِنْ مأكولهِ

لا أستثيبُ على قبولِ صيامِهِ ... حسبي تصرُّمه ثوابَ قبولهِ

اما ابن الصباغ الجذامي فهو يقول:

هذا هلال الصوم من رمضان ... بالأفق بان فلا تكن بالواني

وافاك ضيفا فالتزم تعظيمه ... واجعل قراه قراءة القرآنِ

صمه وصنه واغتنم أيامه ... واجبر ذما الضعفاء بالإحسان

واغسل به خطّ الخطايا جاهدا ... بهمول وابل دمعك الهتّان

لا غرو أن الدمع يمحو جريه ... بالخدّ سكبا ما جناه الجاني

للَه قوم أخلصوا فخلّصوا ... من آفة الخسران والخذلان

[بالصيام تكتسب ملكة التقوى]

الصيام يبعث على الايمان الصادق, ويرقق القلب, ويصفي النفس, ويعين على خشية الله تعالى؛ ولذا استعان به الانبياء في تحقيق مآربهم, والاولياء في تهذيب نفوسهم, والخاصة في شفاء قلوبهم, والعامة في شفاء جسومهم, وفي قوله تعالى (لعلكم تتقون) اشعار بان حكمة الصيام: التمرن على تقوى الله تعالى؛ لانه جل شأنه لم يقل: لعلكم تألمون, او لعلكم تصحون. فالصيام اذا: اختبار روحي, وتجربة خلقية لاكتساب ملكة التقوى, والتقوى: هي الهدف الاسمئ؛ الذي ان أصبته جاءتك كل الثمرات راغمة, وان اخطأته فقد اضعت عملك كله سدى, وخرجت من دنياك بغير نصيب في الاخرة والعياذ بالله. فاذا وصل العبد الى مرتبة التقوى دانت له الدنيا والاخرة, وصار على جوارحه سيدا مطاعا, واصبح جديرا في الاستخلاف في الارض والتمكين له فيها! وقديما قيل: " التقوى هي العدة الوافية والجنة الواقية" قال الشاعر:

وما لبس الإنسان ابهى من التقى ... وان هو غالى في حسان الملابس (١)

وقال اخر:

لاشيء اعلى من التقوى وصحبتها ... ان التقي عزيز حيث ما كان

وقد يقول قائل: ولم كانت التقوى نتيجة من نتائج الصيام دون سائر العبادات؟ والجواب على ذلك: هو ان الصيام ليس كشائر العبادات؛ لأن العبادات لها جوانب شتى تحببها ففي الصلاة مثلا: حلاوة المناجاة, وسعادة القرب من حضرة الرب! وفي الزكاة: اطاعة لاريحية الكرم والجود, وفي الجهاد: عزة الحمية, واباء الضيم, اما الصيام: فليس فيه معاونة من الطبع على ادائه؛ بل فيه على العكس: مقاومة ومعاندته, لذا كان اقرب الاعمال الى خلوص النية من الشوائب؛ ومن اجل ذلك قال المولى سبحانه في


(١) - هذا البيت لابي العلاء المعري.

<<  <  ج: ص:  >  >>