للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمانة]

الأمانة: هي كل مايؤمن عليه المرء من امر ونهي, وشأن من دين ودنيا, وهي خلق من اخلاق المسلم الاصلية التي تنبع من عقيدته, وتدل على صدق اتجاهه وشرف غايته. وبمعناها الحقيقي في نظر المسلم صفة نفسية تملي على صاحبهاسلوكا لايتبدل ازاء ما يعهد اليه القيام به, وكل ما يلتزمه ويتحمل مسؤليته, وتشمل حياة الانسان كلها (١) . وفي الذكر الحكيم {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} (٢) , {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (٣)

فالأمانة من الفضائل الإنسانية, والخلال التي تستقيم بها أحوال البشرية, فالإنسان ملزم بالتحلي بها, فهي من الفضائل الخلقية التي تدعو إليها الفطرة السليمة, وهي من جملة الالتزامات التي يطالب بها الإنسان لاشتمالها على التكليف الشرعي والالتزام الأخلاقي والقانوني, فالشرائع السماوية والنظم الوضعية تتفق على اعتبارها من الالتزامات الخلقية التي يسأل المكلف عنها ويحاسب على تضييعها, وتأتي في رأس جدول الأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة في جميع المجتمعات ذات الديانات السماوية وغيرها, وحتى في العصر الجاهلي الذي كان يحوي دنايا ورذائل, فإنه رغم ذلك كان يحوي بعض خلال مكارم الأخلاق التي جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليؤكدها ويتممها كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفي لفظ: (صالح الأخلاق) (٤) , ولا يزال أهل الفضل من الناس يثنون عليها في مختلف البلدان في كل زمان ومكان, وقد أشاد المجتمع العربي بالأمانة ورفع مكانة الأمين والأمناء في الجاهلية والإسلام, وجعلها من الصفات الرئيسة التي يسوّد بها, وأكبر شاهدٍ على ذلك ما ورد في آثار العرب وقصصهم وأخبارهم وأمثالهم, ومن ذلك قول لبيد:

وَإِذا الأَمانَةُ قُسِّمَت في مَعشَرٍ ... أَوفى بِأَوفَرِ حَظِّنا قَسّامُها (٥)

وقول زهير:

وَحِفظي لِلأَمانَةِ وَاِصطِباري ... عَلى ما كانَ مِن رَيبِ الزَمانِ

أما النابغة فهو يقول:

سأرعى كلما استودعت جهدي ... وقد يرعى أمانته الأمين (٦)

وقد ضرب العرب بوفاء السموأل (٧) الأمثال ما ذلك إلا لأنه ضحى بابنه من أجل الوفاء بحفظ الأمانة, فقيل: "أوفى من السموأل".

قصة السموأل

ذكر الميداني: أن امرئ القيس لما أراد الخروج إلى قيصر استودع السموأل دروعاً فلما مات امرئ القيس غزى ملك من ملوك الشام فتحرز


(١) - دليل السائلين ص ٥٩
(٢) - سورة ال عمران آية (٧٥)
(٣) - سورة النساء أية (٥٨)
(٤) - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى باب بيان مكارم الأخلاق حديث (٢٠٥٧١) .
(٥) - ديوان لبيد ص١٨٠.
(٦) - ديوان النابغة ص١٦٢.
(٧) - هو السموأل بن غريظ بن عاديا الأزدي شاعر جاهلي يهودي من سكان خيبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>