للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تقدير الناس للأمانة]

الأمانة من الأخلاق العملية التي يتفق الناس على أهميتها في الحياة لأنها تعني أن يكون الإنسان أميناً في عبادته, أميناً في عمله, أميناً في حديثه, أميناً في مجتمعه, أميناً في سلوكه, أميناً مع نفسه, فالنفوس بفطرتها التي فطرها الله عليها تميل إلى تقدير الأمانة والأمناء, فإنهم وإن قصروا في المحافظة عليها إلا أنهم يقدرون الأمانة كأحسن سياسة.

فالقاعدة العامة المشتركة في تقدير الأمناء أن الإنسان بفطرته يحب أن يعامله الآخرون بتقدير واحترام, فإذا أحب أن يكونوا معه أمناء فليكن معهم أميناً, وكفى بالمرء فخراً وعزاً أن يوصف بالأمانة, قال الأعشى:

وَإِنَّ اِمرُؤٌ أَسدى إِلَيكَ أَمانَةً ... فَأَوفِ بِها إِن مِتَّ سُمّيتَ وافِيا

فللأمانة أهمية كبرى في التعامل مع الناس, وللأمانة أهمية كبرى في أداء الفرائض والواجبات, وفي السلوك والمعاملات, فيجب أن تكون أميناً في رأيك, وفي مشورتك ونصحك, فقد جاء في الحديث النبوي الشريف: (المستشار مؤتمن) (١) , والأمانة مطلوبٌ أداؤها في الحكم, وفي السلوك, وحتى مع المخالفين في الدين, فقد جاء في الذكر الحكيم: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ} (٢) , فمنزلة الأمانة رفيعة يقدرها العقلاء, ويلتزمها الفضلاء, فالتاجر يجب أن يكون أميناً, والزارع فيما يزرع ويحصد يجب أن يكون أميناً, والصانع فيما يصنع ويبدع يجب أن يكون أميناً, والعالم فيما يعلم وينتج يجب أن يكون أميناً, والموظف فيما يعمله ويؤديه يجب أن يكون أميناً, والمؤذن أمين مؤتمن, والصلاة أمانة, والزكاة أمانة, والحج أمانة, والسر أمانة, والعمل أمانة, والوديع أمين, ولا يؤدي الأمانة إلا كريم, ولا يخون فيما ائتمن عليه إلا ذميم, وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تقبلوا لي ستاً أتقبل لكم الجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب, وإذا وعد فلا يخلف, وإذا ائتمن فلا يخن) (٣) وفي رواية: (اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثم, وأوفوا إذا وعدتم, وأدوا إذا ائتمنتم) (٤) .

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

أَدِّ الأَمانَةَ وَالخيانَةَ فَاِجتَنِب ... وَاِعدِل وَلا تَظلِم يَطيبُ المَكسَبُ

[الأمانة في الإيمان بالله وعبادته]

لقد أنزل الله الأمانة في جذور قلوب المؤمنين من عباده, فطرهم عليها, وأرشدهم إليها, وحمّلهم إياها, فالمؤمن مفطور على الأمانة وسلامة الخلق, ومأمورٌ بأداء الأمانة والحفاظ عليها, فلا يجتمع الإيمان والخيانة أبداً, ولا يجتمع الإيمان والكفر أبداً, ولهذا جاء في الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ, ولا يجتمع الصدق والكذب جميعا, ولا تجتمع الأمانة والخيانة جميعاً) (٥) , وجاء في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يطبع المؤمن على


(١) - أخرجه أبو داود في سننه باب في المشورة حديث (٤٤٦٣) .
(٢) - سورة البقرة الآية (٢٨٣) .
(٣) - أخرجه أبو يعلى في مسنده حديث (٤٢٥٧) , والحاكم في المستدرك كتاب الحدود باب اضمنوا لي ستا حديث (٨٠٦٧) .
(٤) - أخرجه أحمد في المسند عن عبادة بن الصامت (٢١٦٩٥) , وابن حبان في صحيحه باب الصدق والأمر بالمعروف حديث (٢٧١) , والحاكم في المستدرك كتاب الحدود باب اضمنوا لي ستاً حديث (٨٠٦٦) .
(٥) - أخرجه احمد في المسند عن أبي هريرة حديث (٨٥٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>