للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضاعوها صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا أباءهم كباراً. (١) , قال ابن قم الزبيدي:

خير ما ورث الرجال بنيهم ... أدب صالح وحسن ثناء

ويرحم الله شوقي حيث يقول:

فَرُبَّ صَغيرِ قَومٍ عَلَّموهُ ... سَما وَحَمى المُسَوَّمَةَ العِرابا

وَكانَ لِقَومِهِ نَفعاً وَفَخراً ... وَلَو تَرَكوهُ كانَ أَذىً وَعابا

أما الإمام علي بن أبي طالب فهو يقول:

حَرِّض بنيكَ عَلى الآدابِ في الصِغَرِ ... كَيما تَقَرَّ بِهِم عَيناكَ في الكِبَرِ

فَإِنَّما مَثَلُ الآدابِ تَجمَعُها ... في عِنفُوانِ الصِبا كَالنَقشِ في الحَجَرِ

[الأمانة في الأخلاق والمعاملات]

تعد الأمانة خاصية إنسانية في العلاقات الاجتماعية من حيث تعامل الفرد مع الآخرين, سواءً كان مع جاره أو مع مجتمعه أو مع أسرته أو مع قبيلته, ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى برعاية أمانة الجار وحفظ حقوقه فقال: (وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ, قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) (٢) , فالعاقل حري به أن يبني علاقته مع الآخرين من الأباعد والأقارب من الأفراد والجماعات والدول على أساس الأمانة, ومن ثم يكون أميناً في علاقته معهم, حافظاً لعهده وسره, وقد جاء في محكم التنزيل: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (٣) .

ومن أشد الخيانة أن يجلس الرجل فيطمئن إلى أخيه فيفشي سره وينقل عنه ما لا يحب, وقد جاء في الحديث النبوي: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) (٤) , ويرحم الله حسان بن ثابت حيث يقول:

وَأَمينٍ حَديثُهُ سِرُّ نَفسي ... فَوَعاهُ حِفظَ الأَمينِ الأَمينا

وقد جاء في الأمثال السائرة: "قلوب العقلاء حصون الأسرار", وإنما تتعزز الثقة بالناس وتزدهر حياتهم وتنمو تجارتهم بالأمانة, وفي الحديث (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) (٥) , فالأمناء هم الذين يرعون واجبات العبادات والمعاملات, فلا يمكن أن ينهض مجتمع لا تؤدى فيه الأمانة.

فأداء الأمانات من الأمور الأساسية التي تقوم عليها نهضة المجتمعات في كافة المجالات, ألا ترى أن الله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (٦) , ولا بد للحياة من ضوابط ترتب علاقة الفرد مع نفسه ومع الناس, وهي تتمثل في الغالب الأعم في الوفاء بعقود المعاوضات وعقود التبرعات


(١) - تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم, تحقيق عبد القادر الأرنؤط , ص١٣٩, الناشر دار عالم الكتب الرياض, الطبعة الأولى ١٤١٢هـ.
(٢) - رواه البخاري في كتاب الآداب باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه حديث (٥٦٧٠) .
(٣) - سورة الإسراء الآية (٣٤) .
(٤) - رواه الترمذي ما جاء أن المجالس أمانة حديث (١٩٥٩) , وحسنه الألباني.
(٥) - أخرجه الترمذي في صحيحه باب ما جاء في التجار حديث (١٢٠٩) .
(٦) - سورة النساء الآية (٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>