للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مخبر القوم شطت دارهم ونأت ... إني رجعت إلى كتبي وأوراقي

عفت السياسة حتى ما الم بها ... وقد رددت إليها كل ميثاقي

لأنها جشمتني كل نائبة ... وإنها كلفتني غير أخلاقي

[السياسة الرشيدة والملك المحبوب]

إن السلطان وان كثر ماله، وعرض جاهه، وكبر عقله، واتسعت معلوماته، لا يستطيع القيام بتدبير شؤون الأمة بنفسه منفردا، ولا يباشر أعمال مملكته كلها بيده، ولا يستطيع رعاية كل إنسان بعينه، وإنما يساعده الأعوان من أهل الصلاح والإيمان على تحقيق ما يريد، ويعاونوه على قضاء حوائجه، وإقامة دعائم ملكه على العدل، ويشيرون عليه بالأمر الرشيد، وما دام الأمر كذلك فانه لن يبلغ السلطان قصده وينال إربه وأكثر ما يريد من إدارة شؤون دولته، إلا إذا تحبب إلى الناس ووادّهم، وأعانوه وأعانهم، وألِفهم وألِفوه، ولم يستعل عليهم ويتتبع عثراتهم، ويحاول القضاء على أخلاقهم وملكاتهم، فهو يبذل لهم من نفسه مثل ما يريد منهم لنفسه، فيسعى إلى إصلاح ما بينه وبين رعيته، يتألف الشارد، ويغضي عن الناقد، ويقيل العثرة، ويعاون ويساعد على الخروج من المحنه، حتى يبني له منزلة رفيعة في صدورهم، وعند ذلك يرفع عرشه على أكتافهم، ويحفر حبه في قلوبهم، وربما قالوا له ما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم (١) رحمه الله:


(١) - حافظ إبراهيم، (١٢٨٨-١٣٥١هـ/١٨٧١-١٩٣٢م) ، محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم. شاعر مصر القومي، ومدون أحداثها نيفاً وربع من القرن. ولد في ذهبية بالنيل كانت راسية أمام ديروط. وتوفي أبوه بعد عامين من ولادته. ثم ماتت أمه بعد قليل، وقد جاءت به إلى القاهرة فنشأ يتيماً. ونظم الشعر في أثناء الدراسة ولما شبّ أتلف شعر الحداثة جميعاً. التحق بالمدرسة الحربية، وتخرج سنة ١٨٩١م برتبة ملازم ثان بالطوبجية وسافر مع حملة السودان وألف مع بعض الضباط المصريين جمعية سرية وطنية اكتشفها الإنجليز فحاكموا أعضاءها ومنهم (حافظ) فأحيل إلى (الاستيداع) فلجأ إلى الشيخ محمد عبده وكان يرعاه فأعيد إلى الخدمة في البوليس ثم أحيل إلى المعاش فاشتغل (محرراً) في جريدة الأهرام ولقب بشاعر النيل. وطار صيته واشتهر شعره ونثره فكان شاعر الوطنية والإجتماع والمناسبات الخطيرة. وفي شعره إبداع في الصوغ امتاز به عن أقرانه توفي بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>