للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابحين في تجارتهم الذين تحسن أحوالهم, ويتكاثر الوافدون عليهم, وتحسن سمعتهم, وتحصل الثقة بهم؛ هم أهل الصدق, فالصدق يدر على الصادقين الخير الوفير, والبر والعز, والسلامة والأمن في الدنيا قبل الآخرة, فالصدق طمأنينة وفضيلة وخيرات وفيرة.

[الكذب يضاد الصدق ويجانبه فتجنبه]

الكذب خصلة رذيلة ذميمة تدل على النفاق ومساوئ الأخلاق، ضرره كبير على الأسرة والمجتمع, من تحلى به هلك وعثر، فهو منافي للإيمان، ومجافي للإسلام، وفي الحديث (لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ وَلا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا وَلا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالأَمَانَةُ جَمِيعًا) (١) ، وفي الذكر الحكيم: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِأَيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (٢) ، وقيل: الكذب عار لازم وذل دائم، وقيل: ما عز ذو كذب ولو اخذ القمر بيده، وما ذل ذو صدق ولو اتفق العالم عليه (٣) ، قال الشاعر:

لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو فعلة السوء أو من قلة الادبِ

لبعض جيفة كلبٍ خير رائحة ... من كذبة المرء في جد وفي لعبِ

وقال آخر:

إِيّاكَ مِن كَذَبِ الكَذوبِ وَإِفكِهِ ... فَلَرُبَّما مَزَجَ اليَقينَ بِشَكِّهِ

وَلَرُبَّما كَذَبَ اِمرُؤٌ بِكَلامِهِ ... وَبِصَمتِهِ وَبُكائِهِ وَبِضِحكِهِ

ولبعض الشعراء:

إذا عرف الإنسان بالكذب لم يزل ... لدى الناس كذاباً ولو كان صادقا

فان قال لم تصغِ له جلساؤه ... ولم يسمعوا منه ولو كان ناطقا

أما الإمام على بن أبي طالب فهو يحذر من مصاحبة الكاذب فيقول:

وَدَعِ الكَذوبَ فَلا يَكُن لَكَ صاحِباً ... إِنَّ الكَذوبَ لَبِئسَ خِلاً يُصحَبُ (٤)

[مضرة الكذب]

قيل: "دع الكذب فانه يضرك حيث ترى انه ينفعك، وعليك بالصدق فانه ينفعك حيث ترى انه يضرك"، وقيل: "إذا كذب السفير بطل التدبير، وإذا كذب الرائد هلك الوارد"، وقيل: الصدق عز والباطل ذل، وقيل: "من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه"، وقيل: "اجعل قول الكذب ريحاً لتستريح", وقالوا: "نزه سمعك عن سماع الكذب كما تنزه لسانك عن التفوه به", وقيل: "من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين, وقيل: "إياك أن تكون للكذب راوياً وواعياً", وفي السنة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ) (٥) . وقال الشاعر:


(١) - أخرجه احمد في المسند عن أبي هريرة حديث (٨٥٧٧) .
(٢) - سورة النحل (١٠٥) .
(٣) - روضة العقلاء ص (٥٤) .
(٤) - ورد هذا البيت في ديوان الامام علي رضي الله عنه , وورد في ديوان صالح بن عبد القدوس, والله سبحانه أعلم.
(٥) - أخرجه البخاري في صحيحه باب اثم من كذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث (١٠٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>