للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المال والجاه اذا لم يؤادي الإنسان حقهما استدراجا وفتنة وعذاباً ومحنة, وربما حمل المال صاحبه على الكبر فياخذه الله على حين غرة من امره: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (١) فالمقدم المؤخر الميسر المسخر المدبر انما هو الله, فكن معه تفز بنعيم الدنيا والاخرة, فالذي يقدم العمل الصالح يقدم الصدقة واخراج الزكاة يقدم الاحسان الى الناس ويكرمهم طاعة لله يكون مقدما عند الله, والذي يقدم هواه وشهواته على اعماله الصالحة يكون مؤخرا عند الله, فالله سبحانه وتعالى يقدم ويؤخر, فثق به وتوكل عليه تكن سعيدا رشيدا مستقيما, ومسارك في الحياة واضحا جليا فكثيرة هي المقاييس المادية, فاذا تقدم انسان بماله, او بمرتبته, او بنسبه, او بقوته, او بذكائه, تقدما مبدئيا او تقدما مؤقتا فان لم يكن مطيعا لله اخره الله, فهذا التقديم تقديم امتحان, او تقديم استدراج, فانك لاتدري لعل الله عز وجل يؤخره بفضيحة ما, او بكف يد, او باهمال وازراء, او بخطأ فادح يرتكبه, او بغير ذلك, اما المؤمن المطيع لله فان خطه البياني يكون دائما في صعود مستمر, بخلاف الكافر والمصر على المعصية فانه وان رايت خطه البياني في صعود حاد فان سقوطه سيكون مريعا الا ان يثوب الى رشده ويعود الى الله, فالله جل وعلى يقدم من اطاعة ورجع اليه ويؤخر من قدم هواه وشهواته وعصى مولاه وخالقه فهو المقدم المؤخر الضار النافع السميع البصير القوي القدير فتعرف اخي على اسم الله المقدم المؤخر, وكن طائعا لله يقدمك الله فهو الذي يقدم المؤمنين الطائعين ويؤخر العصاة الفاسقين.

[المقدم المؤخر من اسماء الله الحسنى]

اسم الله المقدم والمؤخر لم يردا في القرآن, ووردا في القرآن فعل المؤخر في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} (٢) , وورد الاسمان في السنة النبوية كما في حديث ابي هريرة عندالترمذي ان لله تسعة وتسعين اسما وعد منها (الْمُقَدِّمُ الْمُؤَخِّرُ) (٣) , وجاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا قام من الليل يتهجد وفيه: (انت المقدم وانت المؤخر) (٤) , والامة متفقة على تسميته سبحانه وتعالى المقدم المؤخر, ويرى بعض العلماء انه لايجوز الدعاء باحدهما دون الآخر, والمقدم هو الذي يقدم الاشياء ويضعها في مواضعها, فمن استحق التقديم قدمه, ومن استحق التاخير اخره, ويوجد مع التقديم حكمة, ومع التاخير عدالة وحكمة, فهو يقدم من يشاء بحكمته, ويؤخر من يشاء بعدله وقدرته, فهو سبحانه يرفع من يشاء, ويخفض من يشاء, ويذل من يشاء, ويعز من يشاء, ويقرب من يشاء,


(١) - سورة الانعام الآية (٤٤) .
(٢) - سورة ابراهيم الآية (٤٢) .
(٣) - قد سبق تخريجه.
(٤) - البخاري في صحيحه حديث رقم (١٠٥٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>