للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبعد من يشاء, فلله القدرة الكاملة والمشيئة النافذة, والحكمة الشاملة التامة, وقَالَ الْحَلِيمِيُّ: الْمُقَدِّمُ: هُوَ الْمُعْطِي لِعَوَالِي الرُّتَبِ، وَالْمُؤَخِّرُ: هُوَ الدَّافِعُ عَنْ عَوَالِي الرُّتَبِ.

وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هُوَ الْمُنْزِلُ لِلأَشْيَاءِ مَنَازِلَهَا، يُقَدِّمُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا وَيُؤَخِّرُ مَا شَاءَ، قَدَّمَ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ، وَقَدَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ عَبِيدِهِ، وَرَفَعَ الْخَلْقَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ، وَقَدَّمَ مَنْ شَاءِ بِالتَّوْفِيقِ إِلَى مَقَامَاتِ السَّابِقِينَ، وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ عَنْ مَرَاتِبِهِمْ وَثَبَّطَهُمْ عَنْهَا، وَأَخَّرَ الشَّيْءَ عَنْ حِينِ تَوَقُّعِهِ لِعِلْمِهِ بِمَا فِي عَوَاقِبِهِ مِنَ الْحِكْمَةِ، لا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ، وَلا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ، قَالَ: وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ أَحْسَنُ مِنَ التَّفْرِقَةِ (١) , ومن هذا العرض يتبين ان الله سبحانه وتعالى المقدم المؤخر ليس كمثله شيء, فهو سبحانه المقدم لبعض الاشياء على بعض, اما تقديما كونيا, كتقديم بعض المخلوقات في الوجود على بعض, وكتقديم الاسباب على مسبباتها, والشروط على مشروطاتها, واما تقديما شرعيا معنويا, كتفضيل الانبياء عليهم السلام وتقديمهم على سائر البشر, وتفضيل العباد بعضهم على بعض لحكمة, وهو سبحانه المؤخر لبعض الاشياء عن بعض, اما بالزمان او بالشرع, وفق مشيئته سبحانه وتعالى, وقال ابن القيم:

وَهُوَ المَقَدِّمُ وَالمؤخِّرُ ذَانِكَ الصِّ ... فَتَانِ لِلأفعَالِ تَابِعَتَانِ


(١) - الاسماء والصفات للببيهقي, ص٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>