للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الصبر]

الصبر: مشتق من صبر اذا حبس ومنع, وهو حبس النفس عن الجزع وحملها على مايقتضيه الشرع والعقل, وحبس اللسان عن التشكي والتسخظ, والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها. وانواع الصبر ثلاثة: صبر على ماامر الله به, وصبر عما نها الله عنه, وصبر على ماقدره الله من المصائب, وفي الذكر الحكيم {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (١) , وفي سورة الزمر يقول الحق جل وعلى {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٢) والصبر من الفضائل الخُلقية الذي تعود الإنسان السكينة والاطمئنان، وتكون بلسماً لجراحه، ودواءً لمرضه وبلائه، فالصابر يتلقى المكاره بالقبول فيحبس نفسه عن السخط فيتحلى بالسكينة والوقار، والصبر سبب لحصول الضياء في القلب، والهدوء في الطبع، لأن الصابر يعلم أن حبس النفس في الطاعة، وحبسها عن المعصية شجاعة، فالصابر يرى في الشدة حكمه فعليه أن يتلقاها بالرضا ليظفر بالثواب والأجر، والجاهل يضجر ويحزن ويكتئب، ولولا الصبر لانهار الإنسان من البلاء الذي ينزل عليه، ولأصبح عاجزاً عن السير في ركب الحياة على النحو الذي يحبه الله، وقد عني القران بالصبر ومدحه، ورفع قدره وأعلى منزلته، وأثنى على المتحلين به ثناء لا مزيد عليه، وذكره في القران نحو سبعين مرة مما يدل على عظم أمره وعلو شأنه، فهو أساس لكثير من الفضائل بل هو أمها، لأنه يربي ملكات الخير في النفس.

وقد قال بعض العلماء: "الشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والعفاف هو الصبر على الشهوات، والحلم هو الصبر على المثيرات، والكتمان هو الصبر على إذاعة الأسرار". (٣)

والصابرون مؤيدون بمعونة الله، وصاحب الصبر مهتدٍ مستضيء بنور الله, وفي الحديث النبوي الشريف: (وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ) (٤) ، والصبر خير كله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يتحمل المكاره والمصائب يعنه الله ويساعده، وفي الحديث النبوي أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ) (٥) ، وما رزق الله أحداً خيراً من الصبر، والصابر يحبه الله ويكرمه ويثيبه ويقدمه، كما قال جل شأنه {وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (٦) ، والصبر عزيمة ورشد، وثبات ونجاح، وفي الذكر الحكيم {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٧) ، وقال علي بن أبي طاب رضي الله عنه: (عليكم بالصبر، فانه


(١) - سورة البقرة آية (٤٥) .
(٢) - سورة الزمر آية (١٠) .
(٣) - روح الدين الإسلامي تأليف العلامة عفيف عبد الفتاح طباره، ص (٢١٤) , الطبعة (٢٧) ١٩٨٨م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.
(٤) - رواه مسلم في صحيحه باب فضل الوضوء حديث (٢٢٣) .
(٥) - رواه البخاري في صحيحه باب الاستعفاف عن مسألة حديث (١٤٠٠) .
(٦) - سورة آل عمران (١٤٦) .
(٧) - سورة الزمر (١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>