للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا (١) وفي الذكر الحكيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (٢) .

[القلب وما يعرض له من السعادة والشقاء]

يطلق لفظ القلب اسما لمضغة في الفؤاد معلقة بالنياط أو بمعنى الفؤاد مطلقاً, ويقول بعضهم: ان القلب هو العلقة السوداء في جوف هذه المضغة الصنوبرية الشكل المعروفة, كأنه يريد أن هذا هو الأصل ثم جعله بعضهم اسما لهذه المضغة, وبعضهم توسع فسمى هذه اللحمة كلها حتى شحمها وحجابها قلباً, ويطلق اسماً لما في جوف الشيء وداخله, واسماً لشيء معنوي وهو النفس الإنسانية التي تعقل وتدرك وتفقه وتؤمن وتكفر وتتقي وتزيغ وتطمأن وتلين وتقسو وتخشى وتخاف، وقد نسبت إليه كل هذه المعاني في القران، والأصل في هذا أن أسماء الأشياء المعنوية مأخوذة من أسماء الأشياء الحسية, وقد أطلق على الشيء الذي يحيى به الإنسان ويدرك العقليات والوجدانيات كالحب والبغض والخوف والرجاء عدة أسماء منها القلب والروح والنفس واللب، وهناك مناسبة أخرى للقلب وهي قلب الحيوان وهو مظهر حياته الحيوانية ومصدرها وللوجدانيات النفسية, والعواطف تأثير في القلب الحسي يشعر به الإنسان, ومهما كانت المناسبة التي كانت سبب التسمية فلفظ القلب يطلق في القران بمعنى النفس المدركة والروح العاقلة التي يموت الإنسان بخروجها, منه قوله تعالى: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (٣) أي الأرواح لا هذه المضغ اللحمية التي لا تنتقل من مكانها، وقال تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (٤) أي نفوس وأرواح, وليس المراد أن القلب الحسي آلة العقل وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} (٥) أي على نفسك الناطقة وروحك المدركة، وليس المراد بالقلب هنا المضغة اللحمية ولا العقل, لان العقل في اللغة ضرب خاص من ضروب العلم والإدراك، ولا يقال إن الوحي نزل عليه ولكن قد تسمي النفس العاقلة عقلا كما تسمى قلبا, وقد يعزى إلى القلب ويسند إليه ما هو من أفعال النفس أو انفعالاتها التي يكون لها اثر في القلب الحسي كقوله تعالى: {إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (٦) وقوله تعالى: {لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ} (٧) وقوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} (٨) . ولما كان القلب اعظم منه فقد جاء القرآن ليبين اسباب السعادة لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد, قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (٩) فقد امتدح القرآن


(١) - ابو داود في سننه حديث رقم (٣٧١٩) .
(٢) - سورة الانفال الاية (٢٤-٢٥) .
(٣) سورة الأحزاب (١٠) .
(٤) سورة الحج (٤٦) .
(٥) سورة الشعراء (١٩٣و١٩٤) .
(٦) ذكرت بنفس اللفظ في موضعين: سورة الأنفال (٢) , وسورة الحج (٣٥) .
(٧) سورة آل عمران (١٥٦) .
(٨) سورة التوبة (١٥) .
(٩) - سورة ق الاية (٣٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>