للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[محبة المؤمنين]

إن من علامة حب الله وحب رسوله وشريعته حب عباده المؤمنين, فحب المؤمنين سعادة وريادة, وفي الإيمان زيادة, فمن لا يحب المؤمنين لا يدخل جنة رب العالمين, وفي الحديث النبوي: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى

تُؤْمِنُوا, وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا, أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) (١) .

[محبة الله لعبده أعظم نعمة]

من حببه الله إلى الناس فقد أسبغ عليه النعمة, وضاعف له الكرامة والمنة, فإذا أحب الله عبداً أحبه الناس, وإنما يكون المرء محبوباً عند الناس حينما يكون محباً لهم الخير معيناً لهم على البر, تكسوه المهابة والجلال قال الشاعر:

وَجهٌ عليهِ مِنَ الحياءِ سَكينَةٌ ... وَمَحَبَّةٌ تجري مَعَ الأنفاسِ

وإِذا أَحَبَّ اللَّهُ يوماً عَبْدَهُ ... أَلقَى عَليهِ مَحَبَّةً لِلنَّاسِ (٢)

وفي الحديث: (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ, قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ, ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ, قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ, وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضْهُ, قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ, ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فَأَبْغِضُوهُ, قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ) (٣) . والله جل جلاله في محكم آياته أخبرنا بأنه يحب المتقين الصادقين في إيمانهم ذوي البر والوفاء قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (٤) , ويحب المقسطين مع أهلهم وأنفسهم وإخوانهم, ويحب المقسطين في أعمالهم قال تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (٥) ، ويحب المتوكلين على ربهم الذين يفوضون الأمر إليه ويعتمدون عليه قال جل شأنه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (٦) , ويحب المحسنين الذين تخلقوا بالعفو عن الناس قال سبحانه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٧) , ويحب الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس قال تعالى: {وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (٨) , ويحب التوابين المستغفرين من آثامهم, ويحب المتطهرين من أدرانهم قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (٩) .

فاحرص أخي أن تكون ممن يتصفون بهذه الصفات التي يحبها الله لتكون ممن يحبهم الله لتظفر بالسعادة, وتنال الحسنى وزيادة, ولا تكن من أصحاب التعاسة والشقاء, فتتصف بصفات أهل الهوى فتؤذي الناس بسلوكك وتفسد في قيامك وقعودك, فالله قد أنبأنا في القرآن وفصل لنا في الفرقان فأوضح وأبان بأنه لا يحب المفسدين ففي الذكر الحكيم: {وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي


(١) - أخرجه أبو داود في سننه باب في إفشاء السلام حديث (٥١٩٣) .
(٢) - هذان البيتان لابن عبدربه , وانظر العقد الفريد ج٢ص١٥٤.
(٣) - أخرجه مسلم في صحيحه باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده حديث (٢٦٣٧) .
(٤) - سورة آل عمران (٧٦) .
(٥) - سورة المائدة (٤٢) .
(٦) - سورة آل عمران (١٥٩) .
(٧) - سورة المائدة (١٣) .
(٨) - سورة آل عمران (١٤٦)
(٩) - سورة البقرة (٢٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>