للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي انما تكون مذموة اذا كانت مفرطه واهملها صاحبها ولم يوظفها فيما خلقت له وانما تجاوز واعتدى ولم يستمتع بالحلال في الفرج والمال, مع انه لا سبيل الى الاستمتاع بالحياة, والانتفاع بها الا بحفظ البدن, واعادة ما يتحلل منه, ولا سبيل لذلك الابالغذاء وطلب المال من الحلال, والاستمتاع بالحلال من النساء, فالشهوة محتاج اليها ومرغوب فيها وتقتضي الحكمة الإلاهية ايجادها وتزيينها, والاستعداد بذلك لنيل الحياة الدائمة في الدار الاخرة وفي الذكر الحكيم: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (١) .

[التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا يعني عمارة الحياة بالعمل الصالح]

ان الاعتقاد بحياة اخرى افضل من الحياة الدنيا هو ما يشجع على العمل الصالح, وعلى التاخي والتعاون والتراحم, وهو الذي يدخل العزاء الى النفوس المعذبة التي اصابتها مصائب الحياة, كما ان هذا الاعتقاد يمد المؤمنين بقوة روحية تجعلهم لايبالون بمصائب الدنيا واتراحها, فليس للياس والاحباط من سبيل الى نفوسهم {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (٢) فهم في عمل دائم يرجون ثواب الله ويخشون عقابه غير مغترين بلهو الحياة ومتعها, وفي الذكر الحكيم: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (٣) وفي هذه الاية الكريمه مايدعو الى الايثار وطلب مغفرة الله ورضوانه, فوصف الحياة بالهو والزينه والتفاخر والتكاثر في الاموال والاولاد لايعني تحريم ذلك, وعدم جواز طلبه من الحلال وانما يعني ان كل ماتعجبون به انما هو في حقيقة الامر متاع زائل يشبه ذلك المطر الذي يعجب الزارعين ثم لايلبث ان يكون حطاما, فلا تغتروا بالدنيا فانكم اذا طلبتم رضوان الله فيما تعملون فستحصدون الخير في الحياة الباقية, وتنالون المغفرة, اما اذا اخذكم الغرور ونسيتم الرب الغفور فان هناك عذاباً شديداً, واحرى بالانسان ان يحرص على الباقيات الصالحات فيما يطلبه في هذه الحياة لينال الانسان الثواب ويكون قد استمتع بالحياة واستثمرها, وحصل على حياة باقية, وامن من الحساب ونجا من العذاب فهو لم يقصد الدنيا لذاتها, ولم يضيع في حياته اوقاتها, وفي سورة الكهف يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ


(١) - سورة آل عمران الاية (١٤-١٥) .
(٢) - سورة التوبة الاية (٥١) .
(٣) - سورة الحديد الاية (٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>