للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اما ابو العتاهية فهو يقول:

ياصاحِبَ الروحِ ذي الأَنفاسِ في بَدَنِ ... بَينَ النَهارِ وَبَينَ اللَيلِ مُرتَهَنِ

لَقَلَّما يَتَخَطّاكَ اِختِلافُهُما ... حَتّى يُفَرِّقَ بَينَ الروحِ وَالبَدَنِ

طيبُ الحَياةِ لِمَن خَفَّت مَؤونَتُهُ ... وَلَم تَطِب لِذَوي الأَثقالِ وَالمُؤَنِ

[الروح سر من اسرار الرحمن]

ان روح الإنسان سر من سر الرحمن حير فهمها بني الإنسان فلو كانت الروح مادة او كهرباء او مغناطيس او امواج كهرومغناطيسي او طيف ضوئي او تفاعلات كيماوية لما وجد العلم والمختبرات العلمية الحديثة في هذا العصر صعوبة في قياسها, ومعرفة اهتزازها ومقدار طاقتها ومكان وجودها في جسم الإنسان. ولكن العلم لم يتوصل الى هذه الاثار الدالة على طبيعة هذا الروح وان كان وجود الروح في الإنسان محط اتفاق, واثر الروح تظهر في اعمال الجسد والعقل فهناك مظهر واضح من خلال الطاقة الدافعة في اعماق الإنسان فالعدل والكرم والابتهاج كسلوك ليس مصدره الجسم والدماغ, كما ان دوافع التأمل والايمان والرحمة والحب والرضا, كلها مشاعر كامنة يتفاعل معها العقل والجسد, وكذا الحب والكره والنفور والفرح والحزن والضحك والبكاء هما تفاعلات روحية يدعمها العقل ببعض الذكريات والاحداث ويعبر الجسد عنها, وقد لاحظ بعض الباجثين ان النظر والسمع والشم ثم الشفاة واللمس اعضاء تشترك في ارسال المعلومات الى المخ وهي بدورها ترسلها الى الروح التي تفيض انشراحا وبهجة او العكس, ومما لاريب فيه ان الروح تسكن البدن منذ ان يكون الإنسان جنينا في بطن امه, وقد جاء في الحديث النبوي, (أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ) (١) .

وقد سلك بعض الفقهاء المعاصرين منهج دراسة جميع النصوص الشرعية الواردة حول حياة الجنين ونفخ الروح فيه ودرسوا التوفيق والترجيح بين الاحاديث النبوية وتحميل بعضها على بعض ... كما درسوا معطيات التقدم العلمي المعاصر في علم الاجنة ثم خرجوا باستنتاجات فقهية تشير الى ان نفخ الروح في الجنين انما تتم بين اليوم الاربعين والخامس والاربعين من وقت التلقيح وهذا هو اقرب ما تدل علية الاحاديث النبوية الشريفة. (٢) وفي الذكر الحكيم {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} (٣) فالانسان جسد وروح ولايعتبر حيا الا اذابقيت الروح في الجسد, وهي وان كانت تعمل متضامنة مع الجسد والعقل وتعتمد على المعلومات التي تجمعها حواس الجسد وتمر بالتحليل والمقارنة من قبل العقل وحين تفضيل الروح لدافع معين فانها توعز للعقل بنوع السلوك المطلوب فهي مستقلة, وقد ذكر بعض الباحثين انه لم يتمكن العلم حتى الآن من تحديد مكان الروح في جسد الانسان وان كان بعض الدراسات الحديثة تميل الى ان الروح مكانها


(١) - صحيح البخاري للإمام شيخ الحفاظ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه المولود يوم الجمعة ١٣ شوال سنة ١٩٤هـ٨١٠م، (المتوفى سنة: ٢٥٦هـ٨٧٠م) ، طبعة مكتبة الايمان المنصورة مصر ١٤٢٣هـ٢٠٠٣م. حديث رقم (٦٩٠٠) .
(٢) - مؤلفنا حقوق الطفل ص٢٦.
(٣) - سورة الحجر الآية (٨٢٩٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>