للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيدت الشهادات والأحكام, وأنزل الله تعالى في ذلك آية المداينة وهي أطول آية في القرآن. ولله در القائل:

إن الكتابة رأس كل صناعة ... وبها تتم جوامع الأعمال

فاحرص أخي على تعلّم القراءة والكتابة تظفر بالحسنى وزيادة, ودع عنك المفاخرة بالقلم وتعلم الهجاء والذم, ولطالما تفاخر الشعراء بالقلم ووصفوه بما توصلت إليه أفهامهم في مدائحهم وهجائهم, ومن ذلك قول الشاعر:

فلي قلم في رقمه سم أرقم ... تراه إذا أرسلته حيةً تسعى

يزيد سناء الشمس بالمدح بهجةً ... ويلبسها من هجوه خطةً شنعا (١)

وقال آخر:

لا تُهاوِن بِصَغيرٍ مِن عِدىً ... فَقَديماً كَسَرَ الرُمحُ القَلَم

وَتَرَقَّب مِن سَليلٍ صُنعَهُ ... فَمِنَ البَيعِ قِياضٌ وَسَلَم (٢)

وقال أبو تمام:

لَكَ القَلَمُ الأَعلى الَّذي بِشَباتِهِ ... تُصابُ مِنَ الأَمرِ الكُلى وَالمَفاصِلُ

لُعابُ الأَفاعي القاتِلاتِ لُعابُهُ ... وَأَريُ الجَنى اِشتارَتهُ أَيدٍ عَواسِلُ

فَصيحٌ إِذا اِستَنطَقتَهُ وَهوَ راكِبٌ ... وَأَعجَمُ إِن خاطَبتَهُ وَهوَ راجِلُ

والعاقل إنما يكتب بقلمه ما ينفع ولا يضر, فهو لا يسجل لغو الحديث, ولا العمل الخسيس, ولا يكتسب به المآثم, ولا يستحل به المحارم, ولا يسجل به ما يوقع في المعاصي, ويحرض على الملاهي, ويرغب في الشقاء, ويجلب الفتنة, ويتسبب في الأذى, ويدعو إلى ظلم العباد, فما أحسن القلم الذي يقتصر في كتابته على الكلام الجميل, وما يدعو إلى طاعة الملك الجليل, ولله در القائل:

وَما مِن كاتِبٍ إِلا سَيفني ... وَيَبقي الدَهر ما كَتَبتَ يَداه

فَلا تَكتُب بِكفك غَير شَيءٍ ... يَسرك في القِيامة إِن تَراه (٣)

وفي الذكر الحكيم: {ن~ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} (٤) ,

[القلم الالكتروني]

لقد كان القرآن الكريم سباقاً إلى الإرشاد بحفظ حقوق العباد وإثباتها كتابةً بالخط المعتاد سواءً كان ذلك بالقلم التقليدي العادي أو بالقلم الإلكتروني, فقد صرح في سورة البقرة بما يفيد التوجيه إلى التوثيق بالكتابة


(١) - هذان البيتان من قصيدة للأديب الكبير والشاعر القدير احمد بن محمد الأنسي مطلعها:
ألا حييّ ذاك الحي من ساكني صنعاء ... فكم أحسنوا بالنازلين بهم صُنعاً
وانظر نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف للعلامة محمد بن محمد زبارة إعداد مركز الدراسات والبحوث اليمني, ص٧٨.
(٢) - هذان البيتان من قصيدة لأبي العلاء المعري مطلعها:
صاحِبُ الشُرطَةِ إِن أَنصَفَني ... فَهوَ خَيرٌ لِيَ مِن عَدلٍ ظَلَم
(٣) - نسبت هذه الأبيات لأمين الجندي, وهو أمين بن خالد بن محمد بن أحمد الجندي (١١٨٠-١٢٥٧هـ/١٧٦٦-١٨٤١م) شاعر، من أعيان مدينة حمص، مولده ووفاته فيها، تردد كثيراً إلى دمشق فأخذ عن علمائها وعاشر أدباءها، ولما كانت سنة ١٢٤٦ هـ قدم حمص عامل من قبل السلطان محمود العثماني فوشى إليه بعض أعوانه بأن أمين الجندي هجاه، فأمر بنفيه، وعلم الشيخ أمين بالأمر ففر إلى حماة، فأدركه أعوان العامل، فأمر بحبسه في إصطبل الدواب وحبس عنه الطعام والشراب إلا ما يسد به الرمق، فأقام أربعة أيام، وأغار على حمص بمئتي فارس فقتلوا العامل، وأفرج عن الشيخ أمين. له (ديوان شعر - ط) وفي شعره كثير من الموشحات وتواريخ الوفيات الشائعة في أيامه.
(٤) - سورة القلم الآيتان (١و٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>