للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حاتم: الواجب على العاقل أن يستعيذ بالله من صحبة من إذا ذكر الله لم يعنه, وإن نسي لم يذكره, وإن غفل حرضه على ترك الذكر, ومن كان أصدقاؤه أشراراً كان هو شرهم, وكما أن الخير لا يصحب إلا البررة, كذلك الرديء لا يصحب إلا الفجرة, فإن المرء إذا اضطره الأمر فليصحب أهل المروءات. قال عبد الواحد بن زيد: جالسوا أهل الدين من أهل الدنيا ولا تجالسوا غيرهم فإن كنتم لا بد فاعلين فجالسوا أهل المروءات فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. (١)

وفي الذكر الحكيم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (٢) .

[اصطفاء الصديق من الأخيار]

إن صداقة الأخيار, ومصاحبة المؤمنين الأبرار, ومحبتهم؛ تنجي من الهلكة والبوار, وتنقذ من الوقوع في الوحل والعار, وتجنب الإنسان العثرة والندم, قال الشاعر:

وصاحب خيار الناس تنجُ مسلماً ... وصاحب شرار الناس يوماً فتندما (٣)

أما لبيد بن ربيعة فهو يقول:

ما عاتَبَ الحُرَّ الكَريمَ كَنَفسِهِ ... وَالمَرءُ يُصلِحُهُ الجَليسُ الصالِحُ

الجليس الصالح كحامل المسك كما ورد في الحديث إما يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة, والجليس الصالح يدل على الخير, ويورث الشرف, فإن آخيته كان لك قوة, فالواجب على العاقل أن لا يغفل عن مؤاخاة الاخوان, وإعدادهم للنوائب والحدثان, ونسب إلى محمد بن واسع أنه قال: "لم يبقَ من العيش إلا ثلاثٌ: الصلاة في الجماعة ترزق فضلها وتكفى سهوها, وكفاف المعاش ليست لأحد من الناس عليك فيه منة ولله عليك فيه تبعة (٤) , وأخ محسن العشرة".وقال محمد بن عمران الضيى:

وما المرء إلا بإخوانه ... كما تقبض الكف بالمعصمِ

ولا خير في الكف مقطوعةً ... ولا خير في الساعد الأجذمِ

وقال آخر:

أَخاكَ أَخاكَ إِنَّ مَن لا أَخاً لَه ... كَساعٍ إِلَى الهَيجا بِغَيرِ سِلاحِ

فصل جناح أخيك في الخير تؤجر, وصل جناح أخيك بالأجر تظفر, واصطفِ من تختاره لصداقتك وتؤاخيه, قال الشاعر:

إِنَّ اَخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَك ... وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنفَعَك

وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَك ... شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجمَعَك (٥)


(١) - روضة العقلاء ص٨٢.
(٢) - سورة الكهف الآية (٢٨) .
(٣) - أحكام القرطبي ج١٣ص٢٠ , والموسوعة الشعرية ص٣٠٧.
(٤) - أي تبعة كثيرة وإلا فكل نعمة من نعم الله مهما رأيتها صغيرة فإن الله يحاسب عليها (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .
(٥) - هذان البيتان للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>