للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث النبوي: (لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ) (١) قوله لا يرد القضاء إلا الدعاء فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد, وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة, ويؤيد ذلك قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) قوله ولا يزيد في العمر إلا البر فيه دليل أن ما يصدق عليه البر على العموم يزيد في العمر, وقد ثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر, والمراد الزيادة الحقيقية, وقيل المراد البركة في العمر والظاهر الأول, ومنه قوله سبحانه (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) الآية وقوله (ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) , والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل, فقد يقضي بشيء على عبده قضاء مقيدا بأن لا يدعوه فإن دعاه إندفع عنه (٢) . قال الشاعر:

رَبَّنَا رَبَّنَا إليك التجَأْنا ... ما لنا ربَّنا سواك الْتِجَاءُ

بافْتقارٍ منّا وذُلٍّ أَتَيْنَا ... ما لنا عِزَّةٌ ولا استغناء

وقال ابن الأمير الصنعاني:

أسِوَاه إن حلت بنا اللوّآء ... يُدْعَى لها إنا إذاً جهلاء

ندعوه في غسق الدجى ولم يكن ... عن علمه فيما نقول خفاء

لكن تَعَبَّدَ بالدعاء عبادَه ... فأحبهم فيما أتى الدَّعآء

يبكي الموفق حين يدعو ربه ... شوقاً له ومن السرور بكاء

وَسعت عطاياك الخلائق كلها ... فالناس فيما في يديك سواء

أوجدتهم فضلاً وجُدْتَ عليهمُ ... وأنلتهم ما شئت مما شاءوا

[أدآب الدعاء]

من أدآب الدعاء ان يترصد الإنسان لدعائه الأوقات الشريفة المحبوبة كيوم عرفة وايام رمضان ويوم الجمعة ووقت السحر وليلة القدر وان يغتنم الأحوال الشريفة والاوقات الذي ورد فيها انها مواطن اجابة كزحف الصفوف في الجهاد او في اقامة الصلاة او بين الاذان والاقامة او في السجود او خلف الصلوات, وان يكون الداعي مستقبلا للقبلة رافعا يديه خافضا لصوته متضرعا لربه ممتثلا لأمره {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (٣) وان يثني على الله ويدعوه بخشوع ورغبة ورهبة, فقد اثنى الله على من كان ذلك حاله فقال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (٤) وان يجزم الدعاء ويوقن بالاجابة ويلح في الدعاء ويكرره ثلاثا. قال ابن مسعود: كان عليه الصلاة والسلام (اذا دعا دعا ثلاثا واذا سال سأل ثلاثا) (٥) وان يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل ويصلى على النبي صلى الله عليه واله وسلم ثم يسأل الله حاجته بأسمآء الله الحسنى وصفاته العلا ثم يختم بحمد الله


(١) - سنن الترمذي حديث رقم (٢٠٦٥) .
(٢) - تحفة الذاكرين, ص٢٢.
(٣) - سورة الأعراف الآية (٥٥) .
(٤) - سورة الانبياء الآية (٩٠) .
(٥) - مسلم في صحيحه حديث رقم (٣٣٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>