للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عبده ويمهله، ويستصلحه ويرفق به، ويحلم عنه حتى إذا لم يبق فيه موضع ليضعه أخذه أخذ عزيز مقتدر، بعد غاية الأعذار إليه، وبذل النصيحة له، ودعاءه إليه من كل باب. وهذا كله من موجبات صفات حلمه، وهي صفه ذاتيه لا تزول. وأما الصبر فإذا زال متعلقة، كان كسائر الأفعال التي توجد بوجود الحكمة، وتزول بزوالها. فتأمله انه فرق لطيف ما عثرت الحذاق بعثره، وقل من تنبه له ونبه عليه، وأشكل على كثير هذا الاسم وقالوا: لم يأت في القران، فاعرضوا عن الاشتغال به صفحاً، ثم اشتغلوا بالكلام في صبر العبد وأقسامه، ولو أنهم أعطوا هذا الاسم حقه لعلموا ان الرب تعالى أحق به من جميع الخلق، كما هو أحق باسم العليم، والرحيم، والقدير، والسميع، والبصير، والحي، وسائر أسمائه الحسنى ... وان التفاوت الذي بين صبره سبحانه تعالى وصبرهم كالتفاوت الذي بين حياته وحياتهم، وعلمه وعلمهم، وسمعه وسمعهم، وكذا سائر صفاته (١) .

وقد قيل لما كان اسم الحليم قد ادخل في الأوصاف، واسم الصبور في الأفعال كان الحلم أصل الصبر، فوقع الاستغناء بذكره في القران عن اسم الصبور والله أعلم (٢) .

[ثمرة معرفة اسمه تعالى الصبور]

إن المؤمن الذي يعرف أن الله جل وتعالى صبور وجب عليه أن يصبر ويتصابر، وان يقطع الالتفات عن غير الله، وان لا يتوكل في جميع أموره إلا على الله تعالى، وان يفرد الله تعالى بالخوف والرجاء، ودفع الضر وجلب الخير والنفع، فهو الذي يمس بالضر بمشيئته، ويدفعه بمشيئته، وفي الذكر الحكيم: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٣) ، وقوله جل: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (٤) ، وقوله جل وعلا: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (٥) ، فعلى المؤمن أن يصبر في البأساء والضراء، وأن يتحمل أذى الخلق، وان يكون صابراً في جده واجتهاده وجهاده، وان يحبس نفسه عن الشهوات، وان يصبر نفسه في الجلوس مع أهل الذكر والدعاء، ويبتعد عن طاعة النفس بولوج الشهوات وإتباع الأهواء، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} (٦) ، وقال جل شأنه: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (٧) ، وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الإيمان نصفان نصف صبر


(١) - الجامع لأسماء الله الحسنى ص (١٨٤-١٨٦) , وعدة الصابرين للإمام بن القيم ص (٢٧٦-٢٧٧) بتصرف يسير.
(٢) - الجامع لأسماء الله الحسنى ص (١٨٧) , وعدة الصابرين ص (٢٨٠) .
(٣) - سورة الأنعام (١٧) .
(٤) - سورة الأعراف (١٨٨) .
(٥) - سورة فاطر (٢) .
(٦) - سورة الكهف (٢٨) .
(٧) - سورة طه (١٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>