للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على آذية من أذاه وافترى عليه، وعلم أن صبره سبحانه ليس حبس النفس على ما يكره، وعلم انه سبحانه لا يتألم بالإمهال، وكل ما يؤذى به أولياؤه فهو صبور عليه وهذه وجوه لا تصح إلا لله تعالى.

وقد فرق ابن القيم في عدة الصابرين بين صبر الله تعالى وصبر العباد, وبين الصبر وبين الحلم، فقال: وصبر الله تعالى يفارق صبر المخلوق من وجوه متعددة منها: انه عن قدرة تامة، ومنها: انه لا يخاف الغوث، والعبد إنما يستعجل الخوف الغوث، ومنها انه لا يلحق بصبره الم ولا حزن ولا نقص بوجه ما، وظهور اسمه الصبور في العالم مشهود بالعيان كظهور اسمه الحليم.

أما الفرق بين الصبر والحلم، فان الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الله تعالى أوسع من الصبر، ولهذا جاء اسم الحلم في القران في غير موضع (١) ، والمخلوق يحلم عن جهل ويعفو عن عجز، والرب تعالى يحلم مع كمال علمه ويعفو مع تمام قدرته، وما أضيف شي إلى شي أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى اقتدار، ولهذا كان في دعاء الكرب وصفه سبحانه وتعالى بالحلم مع العظمة، وكونه حليم من لوازم ذاته سبحانه وتعالى.

وأما صبره فمتعلق بكفر العباد، وشركهم ومسبّتهم له سبحانه، وأنواع معاصيهم وفجورهم، فلا يزعجه ذلك كله إلى تعجيل العقوبة, بل يصبر


(١) - عدة الصابرين للامام العلامة بن قيم الجوزية شرح ومراجعة سعيد اللحام ص٢٧٦, الطبعة الأولى دار الفكر اللبنانية بيروت ١٩٩٢م.

<<  <  ج: ص:  >  >>