ولما تركه جبريل في المرة الثالثة ألقى عليه أول آيات أُنزلت من القرآن، وهي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ , اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ , الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق ٥: ١] .
بهذه الآيات العظيمة التي تأمر بالعلم، وتبيِّن بداية خلق الإنسان - بدأ نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فرجع النبي إلى زوجته خديجة يرجف فؤاده، ولكنه حفظ رشاده، فقال:"زملوني زملوني"، يعني: لففوني بالثياب، ففعلوا، حتى إذا ذهب عنه الروع، أخبر خديجة الخبر، وقال:"لقد خشيت على نفسي".
فقالت خديجة - رضي الله عنها -: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضعيف، وتعين على نوائب الحق".
وهكذا استدلت هذه المرأة العاقلة على أن من كان هذا شأنه في محبة الخير للناس فلن يخذله الله؛ فسنَّة الله تقتضي بأن الجزاء من جنس العمل.
ثم انطلقت بعد ذلك خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أتت ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصَّر في الجاهلية، ويكتب الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت خديجة له: اسمع من محمد ما يقول، فقال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أُنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعاً - أي: شاباً - ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"أَوَمُخْرِجيَّ هم؟ " قال: نعم؛ لم يأت رجل قط بمثل ما